والمقصود، أن هذا القرآن ممتنع أن يتطرق إليه الفساد، ومبرأ من الخلل والتناقض والاختلاف.
قال الإمام الرازي ما ملخصه: وفي وصف الكتاب بكونه حكيما وجوه، منها: أن الحكيم هو ذو الحكمة، بمعنى اشتماله على الحكمة، فيكون الوصف للنسبة كلابن وتامر. ومنها أن الحكيم بمعنى الحاكم، بدليل قوله- تعالى-: وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. ومنها أن الحكيم بمعنى المحكم.. «أى المبرأ من الكذب والتناقض»«١» .
والمعنى: تلك الآيات السامية، المنزلة عليك يا محمد، هي آيات الكتاب، المشتمل على الحكمة والصواب، المحفوظ من كل تحريف أو تبديل الناطق بكل ما يوصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية.
وصحت الإشارة إلى آيات الكتاب مع أنها لم تكن قد نزلت كلها لأن الإشارة إلى بعضها كالإشارة إلى جميعها، حيث كانت بصدد الإنزال، ولأن الله- تعالى- قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن عليه، كما في قوله- تعالى-: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ووعد الله- تعالى- لا يتخلف.
وقوله هُدىً وَرَحْمَةً منصوبان على الحالية من آياتُ.
أى: هذا الكتاب أنزلنا عليك يا محمد آياته، لتكون هداية ورحمة للمحسنين في أقوالهم وفي أفعالهم، وفي كل أحوالهم.
ثم وصف- سبحانه- هؤلاء المحسنين، بصفات كريمة فقال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ أى: يؤدونها في أوقاتها المحددة لها، مستوفية لواجباتها، وسننها، وآدابها وخشوعها، فإن الصلاة التامة هي تلك التي يصحبها الإخلاص، والخشوع، والأداء الصحيح المطابق لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أى: ويعطون الزكاة التي أوجبها الله- تعالى- في أموالهم لمستحقيها وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ والمراد بالآخرة: الدار الآخرة، وسميت بذلك لأنها تأتى بعد الدنيا التي هي الدار الدنيا.
وقوله يُوقِنُونَ من الإيقان، وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، بحيث لا يطرأ عليه شك، ولا تحوم حوله شبهة..