وذلك لأنه- سبحانه- في سورة الجاثية قد ذكر الختم معطوفا على قوله «اتخذ إلهه هواه، ومن اتخذ إلهه هواه يكون أول ما يبدو منه للناس ويعرف هو إعراضه عن النصح، ولى رأسه عن استماع الحجة، فكان مظهر عدم السماع منه أول ما يبدو للناظرين، فلذلك قدم السمع على القلب.
وأما آيتنا هذه وهي قوله- تعالى- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ فقد جاءت إثر الآية المختومة بقوله لا يُؤْمِنُونَ. والإيمان تصديق يقوم على الحجة والبراهين، وإدراك الحجة والبرهان إنما هو بالقلب فكان التعليل المتصل الواضح لنفى الإيمان أن قلوبهم مغلقة لا تنفذ إليها الحجة، أولا يتسرب إليها نور البرهان لذلك قدم القلب على السمع.
هذا وقوله- تعالى- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ.. إلخ. لا ينفى عنهم تبعة الكفر، لأنهم هم الذين باشروا من فاسد الأعمال، وذميم الخصال، ومتابعة الهوى، ما نسج على قلوبهم الأغلفة السميكة، وأصم إلى جانب ذلك آذانهم وأعمى أبصارهم، ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
ولعلماء الكلام كلام طويل حول هذه المسألة فليرجع إليه من شاء.
ثم بين- سبحانه- ما يستحقونه من عذاب بسبب إغراقهم في الكفر. واستحبابهم للمعاصي فقال:
وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
أى: ولهم بسبب سوء أعمالهم عذاب موجع مؤلم لأبدانهم وأجسامهم.
وأصل العذاب: المنع، يقال: عذب الفرس- كضرب- امتنع عن العلف. وعذب الرجل إذا ترك المأكل والنوم، فهو عاذب وعذوب. ثم أطلق على الإيجاع الشديد لما فيه من المنع عن اقتراف الذنب. والعظيم: الكبير، من عظم الشيء، وأصله كبر عظمه، ثم استعير لكل كبير محسوسا كان أو معقولا.
ووصف العذاب بالعظيم على معنى أن سائر ما يجانسه من العذاب يكون بالنسبة إليه حقيرا هينا.