سورة السجدة من السور التي افتتحت ببعض حروف التهجي، وقد سبق أن ذكرنا آراء العلماء في ذلك بشيء من التفصيل عند تفسيرنا لسورة: البقرة، وآل عمران، والأعراف ...
وقلنا ما ملخصه: إن أقرب الأقوال إلى الصواب، أن هذه الحروف المقطعة، قد وردت في افتتاح بعض السور، على سبيل الإيقاظ والتنبيه إلى إعجاز القرآن.
فكأن الله- تعالى- يقول لأولئك الكافرين المعارضين في أن القرآن من عند الله: هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ومنظوما من حروف، وهي من جنس الحروف الهجائية التي تنظمون منها حروفكم.
فإن كنتم في شك من كونه منزلا من عند الله فهاتوا مثله، وادعوا من شئتم من الخلق لكي يعاونكم في ذلك، أو هاتوا عشر سور من مثله، أو سورة من مثله ...
ومع كل هذا التساهل في التحدي. فقد عجزوا وانقلبوا خاسرين، وثبت بذلك أن القرآن من عند الله- تعالى- وحده.
وقوله- تعالى-: تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ بيان لمصدر القرآن الكريم وأنه لا شك في كونه من عند الله- عز وجل-.
وقوله: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مبتدأ. وخبره مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وجملة لا رَيْبَ فِيهِ معترضة بينهما، أو حال من الكتاب.. «١» .
أى: تنزيل هذا الكتاب عليك- أيها الرسول الكريم- كائن من رب العالمين، وهذا أمر لا شك فيه، ولا يخالطه ريب أو تردد عند كل عاقل.
وعجل- سبحانه- بنفي الريب، حيث جعله بين المبتدأ والخبر، لبيان أن هذه القضية ليست محلا للشك أو الريب، وأن كل منصف يعلم أن هذا القرآن من رب العالمين.
و «أم» في قوله- تعالى-: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة.
والاستفهام للتعجيب من قولهم وإنكاره.
والافتراء: الاختلاق. يقال: فلان افترى الكذب، أى: اختلقه. وأصله من الفري بمعنى قطع الجلد، وأكثر ما يكون للإفساد.
والمعنى: بل أيقول هؤلاء المشركون، إن محمدا صلى الله عليه وسلم، قد افترى هذا القرآن، واختلقه من عند نفسه ... ؟
(١) راجع حاشية الجمل ج ٣ ص ٤١٢.