ثم أضاف- سبحانه- إلى ما سبق أن وصف به ذاته، صفات أخرى تليق بجلاله، فقال: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
وقوله- تعالى-: يُدَبِّرُ من التدبير بمعنى الإحكام والإتقان، والمراد به هنا: إيجاد الأشياء على هذا النحو البديع الحكيم الذي نشاهده، وأصل التدبير: النظر في أعقاب الأمور محمودة العاقبة.
وقوله: يَعْرُجُ من العروج بمعنى الصعود والارتفاع والصيرورة إليه- تعالى-.
والضمير في «إليه» يعود إلى الأمر الذي دبره وأحكمه- سبحانه-.
أى: أن الله- تعالى- هو الذي يحكم شئون الدنيا السماوية والأرضية إلى أن تقوم الساعة، وهو الذي يجعلها على تلك الصورة البديعة المتقنة، ثم تصعد إليه- تعالى- تلك الأمور والشئون المدبرة، في يوم، عظيم هو يوم القيامة كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ من أيام الدنيا.
قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله: مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ متعلقان بقوله:
يُدَبِّرُ ومن ابتدائية، وإلى انتهائية. أى: يريده- تعالى- على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة، منزلا له من السماء إلى الأرض. وإنزاله من السماء باعتبار أسبابه، فإن أسبابه سماوية من الملائكة وغيرهم.
وقوله ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ أى: ذلك الأمر بعد تدبيره. وهذا العروج مجاز عن ثبوته في علمه.. أو عن كتابته في صحف الملائكة بأمره- تعالى- «١» .
وقال بعض العلماء: وقد ذكر- سبحانه- هنا أنه يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. وذكر في سورة الحج وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. وذكر في سورة المعارج تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ والجمع بين هذه الآيات من وجهين:
الأول: ما جاء عن ابن عباس من أن يوم الألف في سورة الحج، هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض. ويوم الألف في سورة السجدة، هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه- تعالى-، ويوم الخمسين ألفا- في سورة المعارج- هو يوم القيامة.