للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا اليوم الهائل الشديد، يقف الناس في قلق ولهفة منتظرين قبول الشفاعة فيهم. حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم، بسبب إذن الله- تعالى- في قبولها ممن يشاء ولمن يشاء، واستبشر الناس وقال بعضهم لبعض، أو قالوا للملائكة: ماذا قالَ رَبُّكُمْ أى:

ماذا قال ربكم في شأننا ومصيرنا.

وهنا تقول لهم الملائكة، أو يقول بعضهم لبعض: قالُوا الْحَقَّ أى: يقولون قال ربنا القول الحق وهو الإذن في الشفاعة لمن ارتضى.

فلفظ الْحَقَّ منصوب بفعل مضمر. أى: قالوا قال ربنا الحق أو صفة لموصوف محذوف. أى: قالوا: قال ربنا القول الحق.

وَهُوَ- سبحانه- الْعَلِيُّ أى: المتفرد بالعلو فوق خلقه الْكَبِيرُ أى: المتفرد بالكبرياء والعظمة.

قال صاحب الكشاف- رحمه الله-: فإن قلت: بم اتصل قوله: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، ولأى شيء وقعت حتى غاية؟.

قلت: اتصل بما فهم من هذا الكلام، من أن ثم انتظارا للإذن، وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أولا؟ وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملىّ من الزمان، وطول التربص ...

كأنه قيل: ينتظرون ويتوقفون كليا فزعين وهلين، حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم، بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن: تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا ماذا قالَ رَبُّكُمْ، قالُوا قال الْحَقَّ أى: القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى.. «١» .

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسألهم للمرة الثانية على سبيل التنبيه والتوبيخ، من الذي يملك أن يرزقهم، فقال- سبحانه-: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...

أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المشركين: من الذي يرزقكم من السماء بالمطر وغيره، ويرزقكم من الأرض بالنباتات والمعادن وغير ذلك من المنافع.

وقوله- تعالى-: قُلِ اللَّهُ جواب على هذا السؤال، وهو جواب لا يملكون إلا الاعتراف به.


(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>