والتعبير بقوله- سبحانه-: مَوْقُوفُونَ يشعر بذلتهم وبؤسهم، فهم محبوسون للحساب على غير إرادة منهم، كما يحبس المجرم في سجنه انتظارا لمصيره السيئ.
وقوله: عِنْدَ رَبِّهِمْ تبكيت وتوبيخ لهم، على ما كانوا يفعلونه في الدنيا من إنكار لليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب وحساب.
وقوله- سبحانه-: يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا، لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ تفصيل لجانب من محاوراتهم فيما بينهم، ولما كانوا يراجعون فيه القول بعضهم مع بعض.
والمراد بالذين استضعفوا: الأتباع والعامة من الناس، والمراد بالذين استكبروا: الزعماء والقادة والرؤساء.
أى: يقول الأتباع من الكافرين لقادتهم ورؤسائهم بغيظ وحسرة: لولا أنتم منعتمونا عن اتباع الحق لكنا مؤمنين به، ومتبعين لما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلم.
إنهم يقولون لهم في موقف الحساب يوم القيامة، ما كانوا عاجزين عن قوله في الدنيا.
عند ما كانوا مستذلين لهم، وخاضعين لسلطانهم.
وهنا يرد الزعماء باستنكار وضيق، ويحكى ذلك القرآن فيقول: قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا على سبيل التوبيخ والتقريع أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ
كلا، إننا ما فعلنا ذلك، ولسنا نحن الذين حلنا بينكم وبين اتباع الحق.
بَلْ أنتم الذين كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ في حق أنفسكم، حيث اتبعتمونا باختياركم، ورضيتم عن طواعية منكم أن تتبعوا غيركم بدون تفكر أو تدبر للأمور.
ولم يقتنع الأتباع بما رد به عليهم السادة والكبراء، بل حكى القرآن للمرة الثانية ردهم عليهم فقال: وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا في الرد عليهم بحسرة وألم:
بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أى قالوا لهم أنتم لستم صادقين في قولكم لنا: إنكم لم تصدونا عن اتباع الهدى بعد إذ جاءنا بل إن مكركم بنا الليل والنهار وإغراءكم لنا بالبقاء على الكفر.
وتهديدكم إيانا بالقتل أو التعذيب إذا ما خالفناكم، وأمركم لنا بأن نكفر بالله- تعالى- ونجعل له أندادا، أى شركاء في العبادة والطاعة. كل ذلك هو الذي حال بيننا وبين اتباع الحق الذي جاءنا به الرسول صلّى الله عليه وسلم.
والمكر: هو الاحتيال والخديعة. يقال مكر فلان بفلان، إذا خدعه وأراد به شرا.
وهو هنا فاعل لفعل محذوف والتقدير: بل الذي صدنا عن الإيمان مكركم بنا في الليل