ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يصحح لهؤلاء المترفين خطأهم، وأن يكشف لهم عن جهلهم، وأن يبين لهم أن مسألة الغنى والفقر بيد الله- تعالى- وحده، وأن الثواب والعقاب لا يخضعان للغنى أو للفقر، وإنما يتبعان الإيمان أو الكفر، فقال- تعالى- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
وبسط الرزق: سعته وكثرته. وتقديره: تقليله وتضييقه.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاهلين إِنَّ رَبِّي وحده هو الذي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ أن يبسطه له وَيَقْدِرُ أى: ويقتر الرزق ويضيقه على من يشاء أن يضيقه عليه. والأمر في كلتا الحالتين مرده إلى الله- تعالى- وحده، على حسب ما تقتضيه حكمته في خلقه.
وربما يوسع رزق العاصي ويضيق رزق المطيع. أو العكس، وربما يوسع على شخص في وقت ويضيق عليه في وقت آخر، ولا ينقاس على ذلك أمر الثواب والعقاب، لأن مناطهما الطاعة وعدمها.
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ هذه الحقيقة التي اقتضتها حكمة الله- تعالى- وإرادته، فزعموا أن بسط الرزق دليل الشرف والكرامة، وأن ضيق الرزق دليل الهوان والذل، ولم يدركوا- لجهلهم وانطماس بصائرهم- أن بسط الرزق قد يكون للاستدراج، وأن تضييقه قد يكون للابتلاء والاختبار، ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه.
ثم زاد- سبحانه- هذه القضية توضيحا وتبيينا فقال: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى.
الزلفى: مصدر كالقربى، وانتصابه على المصدرية من معنى العامل. أى ليست كثرة أموالكم، ولا كثرة أولادكم بالتي من شأنها أن تقربكم إلينا قربى، لأن هذه الكثرة ليست دليل محبة منا لكم، ولا تكريم منا لكم، وإنما الذي يقربكم منا هو الإيمان والعمل الصالح.
كما وضح- سبحانه- هذه الحقيقة في قوله بعد ذلك: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ.
أى: ليس الأمر كما زعمتم- أيها المترفون- من أن كثرة الأموال والأولاد ستنجيكم من العذاب، ولكن الحق والصدق أن الذي ينجيكم من ذلك ويقربكم منا، هو الإيمان والعمل الصالح. فهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة لهم عند الله- تعالى- الجزاء الحسن المضاعف، وهم في غرفات الجنات آمنون مطمئنون.