للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز أن يكون المعنى: قل إن ربي يقضى ويحكم بالحق، بتضمين «يقذف» معنى يقضى ويحكم «١» .

ثم أمره- عز وجل- للمرة الرابعة أن يبين لهم أن باطلهم سيزول لا محالة وسينتهي أمره انتهاء لن تقوم له بعد قائمة فقال- تعالى- قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ والإبداء: هو فعل الأمر ابتداء. والإعادة: فعله مرة أخرى، ولا يخلو الحي منهما، فعدمهما كناية عن هلاكه. كما يقول: فلان لا يأكل ولا يشرب، كناية عن هلاكه.

أى: قل أيها الرسول لهؤلاء الكافرين، لقد جاء الحق المتمثل في دين الإسلام الذي أرسلنى به إليكم ربي، ومادام الإسلام قد جاء، فإن الباطل المتمثل في الكفر الذي أنتم عليه، قد آن له أن يذهب وأن يزول، وأن لا يبقى له إبداء أو إعادة، فقد اندثر وأهيل عليه بالتراب إلى غير رجعة.

ثم أمره- سبحانه- للمرة الخامسة أن يصارحهم بأنه مسئول أمام الله عما يرشدهم إليه، وأنهم ليسوا مسئولين عن هدايته أو ضلاله، فقال- تعالى-: قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي، وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي.

أى: وقل لهم- أيها الرسول الكريم- على سبيل الإرشاد والتنبيه، إنى إن ضللت عن الصراط المستقيم، وعن اتباع الحق، فإنما إثم ضلالي على نفسي وحدها لا عليكم، وإن اهتديت إلى طريق الحق والصواب، فاهتدائى بسبب ما يوحيه الله- تعالى- إلى من توجيهات حكيمة، وإرشادات قويمة، إِنَّهُ- سبحانه- سَمِيعٌ لكل شيء قَرِيبٌ منى ومنكم.

وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة قد أمرت الرسول صلّى الله عليه وسلّم خمس مرات، أن يخاطب المشركين بما يقطع عليهم كل طريق للتشكيك في شأن دعوته، وبما يوصلهم إلى طريق الهداية والسعادة لو كانوا يعقلون:

وأخيرا نرى سورة «سبأ» تختتم بهذه الآيات، التي تصور تصويرا مؤثرا، حالة الكافرين عند ما يخرجون من قبورهم للبعث والحساب، يعلوهم الهلع والفزع، ويحال بينهم وبين ما يشتهون، لأن توبتهم جاءت في غير أوانها ... قال- تعالى-:


(١) حاشية الجمل ج ٣ ص ٤٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>