قال- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا، هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ. إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ. فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
٧- وبعد أن تحكى السورة الكريمة ما أعده الله تعالى بفضله وكرمه لعباده المؤمنين، من جنات النعيم، ومن خير عميم، تعود فتحكى ما سيكون عليه الكافرون من هم وغم، وكرب وبلاء، بسبب كفرهم، وتكذيبهم للحق الذي جاءهم به نبيهم صلّى الله عليه وسلم.
قال- تعالى-: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ. هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.
٨- ثم تنزه السورة الكريمة النبي صلّى الله عليه وسلم عما اتهمه به أعداؤه، من أنه شاعر، وتسليه عما أصابه منهم، وتبين للناس أن وظيفته صلّى الله عليه وسلم إنما هي الإنذار والبلاغ.
قال- تعالى-: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ. لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ.
إلى أن يقول- سبحانه-: فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ.
٩- ثم تختتم السورة الكريمة بحكاية ما قاله أحد الأشقياء منكرا للبعث والحساب، وردت عليه وعلى أمثاله برد جامع حكيم، برشد كل عاقل إلى إمكانية البعث، وأنه حق لا شك فيه ...
قال- تعالى-: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ، بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ. إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
١٠- وبعد. فهذا عرض مجمل لسورة «يس» ومنه نرى، أن هذه السورة الكريمة، قد اهتمت بإقامة الأدلة على وحدانية الله- تعالى- وعلى كمال قدرته كما اهتمت بإبراز الأدلة المتعددة على أن البعث حق، وعلى أن الرسول صلّى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه ...
كما اهتمت بضرب الأمثال لبيان حسن عاقبة الأخيار، وسوء عاقبة الأشرار.
كل ذلك بأسلوب بليغ مؤثر، يغلب عليه قصر الآيات، وإيراد الشواهد المتنوعة على قدرة