للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: قوله لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ يعنى بهم العرب، فإنه ما أتاهم من نذير من قبله. وذكرهم وحدهم لا ينفى من عداهم كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفى العموم، الذي وردت به الآيات والأحاديث المتواترة ... «١» .

وقال الجمل ما ملخصه: قوله لِتُنْذِرَ قَوْماً ... أى العرب وغيرهم وقوله ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ أى الأقربون، وإلا فآباؤهم الأبعدون قد أنذروا فآباء العرب الأقدمون أنذروا بإسماعيل، وآباء غيرهم أنذروا بعيسى.. و «ما» نافية، لأن قريشا لم يبعث إليهم نبي قبل نبينا صلّى الله عليه وسلم فالجملة صفة لقوله «قوما» أى: قوما لم تنذروا. وقوله فَهُمْ غافِلُونَ مرتب على الإنذار ... «٢» .

ثم بين- سبحانه- مصير هؤلاء الغافلين، الذين استمروا في غفلتهم وكفرهم بعد أن جاءهم النذير، فقال: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ، فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.

والجملة جواب لقسم محذوف. ومعنى حَقَّ ثبت ووجب.

والمراد بالقول: العذاب الذي أعده الله- تعالى- لهم بسبب إصرارهم على كفرهم.

أى: والله لقد ثبت وتحقق الحكم أولا بالعذاب على أكثر هؤلاء المنذرين بسبب عدم إيمانهم برسالتك، وجحودهم الحق الذي جئتهم به، وإيثارهم باختيارهم الغي على الرشد، والضلال على الهدى ...

وقال- سبحانه- عَلى أَكْثَرِهِمْ لأن قلة منهم اتبعت الحق، وآمنت به، وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ «٣» .

ثم صور- سبحانه- انكبابهم على الكفر، وإصرارهم عليه، تصويرا بليغا فقال: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ.

والأغلال: جمع غل- بضم الغين، وهو القيد الذي تشد به اليد إلى العنق بقصد التعذيب والأذقان: جمع ذقن- بفتح الذال- وهو أسفل الفم.

ومقمحون. من الإقماح، وهو رفع الرأس مع غض البصر. يقال: قمح البعير قموحا إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب. والفاء في قوله فَهِيَ وفي قوله فَهُمْ: للتقريع.


(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥٤٩.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٥٠٣.
(٣) سورة يونس الآيتان ٩٦، ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>