للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بين- سبحانه- حالهم عند النفخة الثانية فقال: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ..

والمراد بالنفخ هنا: النفخة الثانية التي يكون معها البعث والحساب.

والصور: القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، ولا يعلم كيفيته سوى الله- تعالى-:

والأجداث: جمع جدث- بفتحتين- كفرس وأفراس- وهي القبور.

وينسلون: أى: يسرعون بطريق الجبر والقهر لا بطريق الاختيار، والنّسلان: الإسراع في السير.

أى: ونفخ في الصور النفخة الثانية، فإذا بهؤلاء الكافرين الذين كانوا يستبعدون البعث وينكرونه، يخرجون من قبورهم سراعا- وبدون اختيار منهم- متجهين إلى ربهم ومالك أمرهم ليقضى فيهم بقضائه العادل.

قالُوا بعد خروجهم من قبورهم بسرعة وفزع يا وَيْلَنا أى: يا هلاكنا احضر فهذا أوان حضورك.

ثم يقولون بفزع أشد: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا أى من أثارنا من رقادنا، وكأنهم لهول ما شاهدوا قد اختلطت عقولهم، وأصيبت بالهول، فتوهموا أنهم كانوا نياما.

قال ابن كثير- رحمه الله- قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يعنون قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها، فلما عاينوا ما كذبوه في محشرهم قالوا:

يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، وهذا لا ينفى عذابهم في قبورهم، لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد.

وقوله: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ رد من الملائكة أو من المؤمنين عليهم.

أو هو حكاية لكلام الكفرة في رد بعضهم على بعض على سبيل الحسرة واليأس.

و «ما» موصولة والعائد محذوف، أى: هذا الذي وعده الرحمن والذي صدّقه المرسلون.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: إذا جعلت «ما» مصدرية، كان المعنى: هذا وعد الرحمن، وصدق المرسلين، على تسمية الموعود والمصدق فيه بالوعد والصدق، فما وجه قوله:

وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ؟ إذا جعلتها موصولة؟.

قلت: تقديره: هذا الذي وعده الرحمن، والذي صدقه المرسلون، بمعنى: والذي صدق فيه المرسلون، من قولهم: صدقوهم الحديث والقتال ...

<<  <  ج: ص:  >  >>