للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطليقتين، أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها وإن كرهت المرأة، فإن لم يراجعها المطلق حتى انقضت عدتها فهي أحق بنفسها وتصير أجنبية منه، ولا تحل له إلا بخطبة ونكاح مستأنف بولي وإشهاد ليس على صفة المراجعة، وهذا اجماع من العلماء» «١» .

وفي هذه الجملة الكريمة بيان لبعض الحكم السامية التي أرادها الله- تعالى- من وراء مشروعية العدة. فالله- تعالى- جعل للمطلق فرصة- هي مدة ثلاثة قروء- لكي يراجع نفسه، ويتدبر أمره، لعله خلال هذه المراجعة وذلك التدبر يرى أن الخير في بقاء زوجته معه فيراجعها، رعاية لرابطة المودة والرحمة التي جعلها الله- تعالى- بين الزوجين.

وقوله- تعالى-: إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً شرط المقصود منه حض المطلق على أن ينوى بإرجاعه لمطلقته إصلاح أحوالهما، بإرشادها إلى ما من شأنه أن يجعل حياتهما الزوجية مستمرة لا منقطعة، أما إذا راجعها على نية الكيد والأذى والمضارة ففي هذه الحالة يكون آثما وسيعاقبه الله على ذلك بما يستحقه.

قال الآلوسى: وليس المراد من التعليق اشتراط جواز الرجعة بإرادة الإصلاح حتى لو لم يكن قصده لا تجوز، للاجتماع على جوازها مطلقا، بل المراد تحريضهم على قصد الإصلاح حيث جعل كأنه منوط به ينتفى بانتفائه» «٢» .

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

أى: وللنساء على الرجال مثل ما للرجال على النساء. فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه نحوه بالمعروف.

والمراد بالمماثلة- كما يقول الآلوسى- المماثلة في الوجوب لا في جنس الفعل، فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل لها مثل ذلك، ولكن يقابله بما يليق بالرجال» «٣» .

أى أن الحقوق والواجبات بينهما متبادلة، وأنهما متماثلان في أن كل واحد منهما عليه أن يؤدى نحو صاحبه ما يجب عليه بالمعروف أى بما عرفته الطباع السليمة ولم تنكره، ووافق ما أوجبه الله على كل منهما في شريعته. فالباء في قوله بِالْمَعْرُوفِ للملابسة.

وقد بين النبي صلّى الله عليه وسلّم في أحاديث متعددة حقوق الرجال على النساء، وحقوق النساء على الرجال، ومن ذلك ما أخرجه مسلّم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أن رسول صلّى الله عليه وسلّم قال في


(١) تفسير القرطبي ج ٣ صفحة ١٢٠.
(٢) و (٣) تفسير الآلوسى ج ٢ صفحة ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>