قال القرطبي: والتسريح: إرسال الشيء، ومنه تسريح الشعر ليخلص البعض من البعض، وسرح الماشية أرسلها..»
وعلى هذا التفسير يكون المراد بالطلاق في الآية الطلاق الرجعى وبالمرتين حقيقة التثنية، ويكون وقت الإمساك أو التسريح هو ما بعد الطلقة الأولى أو الثانية بصفة خاصة، وفي كل الأوقات بصفة عامة. وعلى هذا التفسير سار كثير من العلماء.
ويرى بعضهم أن المراد بالطلاق في الآية الطلاق الشرعي، وبالمرتين التكرار لا العدد، وأن المراد من التسريح بالإحسان هو الطلقة الثالثة، أى بعد الطلقتين الأوليين يتروى في الأمر فيمسك بالمعروف أو يطلق الطلقة الثالثة. وقد ذكر هذا الرأى صاحب الكشاف فقال:
الطَّلاقُ بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم، أى التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة، ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن التكرير، كقوله «ثم ارجع البصر كرتين» أى كرة بعد كرة لا كرتين اثنتين، ونحو ذلك من التثانى التي يراد بها التكرير كقولهم: لبيك وسعديك.. وقوله: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ تخيير لهم بعد أن علمهم كيف يطلقون بين أن يمسكوا النساء بحسن العشرة وبين أن يسرحوهن السراح الجميل الذي علمهم إياه.. وروى أن سائلا سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم أرأيت قول الله- تعالى-:
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فأين الثالثة، فقال صلّى الله عليه وسلّم «التسريح بإحسان»«١» .
قال الفخر الرازي: والحكمة في إثبات حق الرجعة: أن الإنسان ما دام يكون مع صاحبه لا يدرى أنه هل تشق عليه مفارقته أولا؟ فإذا فارقه فعند ذلك يظهر، فلو جعل الله- تعالى- الطلقة الواحدة مانعة من الرجوع لعظمت المشقة على الإنسان بتقدير أن يظهر المحبة بعد المفارقة، ثم لما كان كمال التجربة لا يحصل بالمرة الواحدة، فلا جرم أثبت- سبحانه- حق المراجعة بعد المفارقة مرتين، وعند ذلك يكون قد جرب الإنسان نفسه في تلك المفارقة مرتين وعرف حال قلبه في ذلك الباب. فإن كان الأصلح إمساكها راجعها وأمسكها بالمعروف، وإن كان الأصلح له تسريحها سرحها على أحسن الوجوه، وهذا التدريج والترتيب يدل على كمال رحمته ورأفته بعباده» .
هذا، ويرى بعض العلماء كابن تيمية وابن القيم أن الرجل إذا أوقع الطلاق دفعة واحدة،