للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولنا صلّى الله عليه وسلم بوجود هذه الشجرة في النار. كذبوه واستهزءوا به، فحق عليهم عذابنا بسبب هذا التكذيب والاستهزاء.

قال القرطبي ما ملخصه قوله- تعالى- إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ أى، المشركين. وذلك أنهم قالوا. كيف تكون في النار شجرة، مع أن النار تحرق الشجر..؟

وكان هذا القول جهلا منهم، إذ لا يستحيل في العقل أن يخلق الله في النار شجرا من جنسها لا تأكله النار، كما يخلق الله فيها الأغلال والقيود والحيات والعقارب.. «١» .

ثم بين- سبحانه- أصل هذه الشجرة ومنبتها فقال: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ أى: منبتها وأصلها يخرج من أسفل الجحيم، أما أغصانها وفروعها فترتفع إلى دركاتها.

ثم بين- سبحانه- ثمرها فقال: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ أى: ثمرها الذي يخرج منها، وحملها الذي يتولد عنها، يشبه في تناهى قبحه وكراهيته، رؤوس الشياطين التي هي أقبح ما يتصوره العقل، وأبغض شيء يرد على الخاطر.

قال صاحب الكشاف ما ملخصه: شبه حمل شجرة الزقوم برءوس الشياطين، للدلالة على تناهيه في الكراهة وقبح المنظر، لأن الشيطان مكروه مستقبح في طباع الناس، لاعتقادهم أنه شر محض لا يخالطه خير، فيقولون في القبيح الصورة: كأنه وجه شيطان، أو كأنه رأس شيطان، وإذا صوره المصورون صوروه على أقبح صورة.

كما أنهم اعتقدوا في الملك أنه خير محض لا شر فيه، فشبهوا به الصورة الحسنة، قال الله- تعالى-: ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ. وهذا تشبيه تخييلى.

وقيل: الشيطان حية عرفاء لها صورة قبيحة المنظر.. فجاء التشبيه بها.. «٢» .

وقوله- تعالى-: فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ تفريع على ما تقدم من كونها فتنة لهم.

أى: هذا هو حال تلك الشجرة، وهذا هو أصلها وثمرها، وإن هؤلاء الكفار الذين يستهزئون بمن يحدثهم عنها لآكلون من ثمارها حتى تمتلئ بطونهم، رغما عنهم، وإذلالا لهم.

ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها أى: على ما يأكلونه منها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ أى: لشرابا مخلوطا بماء شديد الحرارة يقطع الأحشاء، كما قال- تعالى-: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ.


(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٨٦.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>