فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ أى بعد أن وقعت القرعة عليه، ألقى بنفسه في البحر، «فالتقمه الحوت» أى: ابتلعه بسرعة: يقال: لقم فلان الطعام- كسمع- والتقمه، إذا ابتلعه بسرعة، وتلقّمه إذا ابتلعه على مهل.
وجملة «وهو مليم» حالية في محل نصب، أى: فالتقمه الحوت وهو مكتسب من الأفعال ما يلام عليه، حيث غادر قومه بدون إذن من ربه.
يقال: رجل مليم، إذا أتى من الأقوال أو الأفعال ما يلام عليه، وهو اسم فاعل من آلام الرجل، إذا أتى ما يلام عليه.
فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أى: فلولا أن يونس- عليه السلام- كان من المسبحين لله- تعالى- المداومين على ذكره. لولا هذا التسبيح للبث يونس في بطن الحوت إلى يوم القيامة.
فهاتان الآيتان تدلان دلالة واضحة على أن الإكثار من ذكر الله- تعالى- وتسبيحه..
سبب في تفريج الكروب، وإزالة الهموم، بإذن الله ورحمته. وفي الحديث الشريف: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» .
ورحم الله الإمام القرطبي فقد قال: «أخبر الله- عز وجل- أن يونس كان من المسبحين، وأن تسبيحه كان سبب نجاته، ولذا قيل: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر.
وفي الحديث الشريف: «من استطاع منكم أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل» فليجتهد العبد، ويحرص على خصلة من صالح عمله، يخلص فيها بينه وبين ربه، ويدخرها ليوم فاقته وفقره، ويسترها عن خلق الله، لكي يصل إليه نفعها وهو أحوج ما يكون إليه «١» .
فنبذناه بالعراء وهو سقيم، والنبذ: الطرح، والعراء: الخلاء.
أى: أن يونس- عليه السلام- بعد أن التقمه الحوت أخذ في الإكثار من تسبيحنا ومن دعائنا، فاستجبنا له دعاءه، وأمرنا الحوت بطرحه في الفضاء الواسع من الأرض.
وجملة «وهو سقيم» حالية. أى: ألقيناه بالأرض الفضاء حالة كونه عليلا سقيما، لشدة ما لحقه من تعب وهو في بطن الحوت.
وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ أى: ومن مظاهر رحمتنا به، أننا جعلنا فوقه شجرة من يقطين لكي تظلل عليه وتمنع عنه الحر.
(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ١٢٧.