الكافرين، ولم يفارق الرسول صلّى الله عليه وسلم هذه الدنيا إلا بعد أن صارت كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم بالإعراض عن المشركين، وبالصبر على أذاهم، فقال: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ أى: فأعرض عنهم إلى الوقت الذي يأذن الله لك فيه بقتالهم وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أى: وانظر إليهم وراقبهم عند ما ينزل بهم عذابنا، فسوف يبصرون هم ذلك في دنياهم وفي آخرتهم.
والأمر بمشاهدة ذلك: إشعار بأن نصره صلّى الله عليه وسلم عليهم، آت لا ريب فيه حتى لكأنه واقع بين يديه، مشاهد أمامه.
والاستفهام في قوله- سبحانه-: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ للتوبيخ والتأنيب.
أى أبلغ الجهل وانطماس البصيرة بهؤلاء المشركين، أنهم يستعجلون عذابنا.
عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن المشركين قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلم: يا محمد أرنا العذاب الذي تخوفنا به، فنزلت هذه الآية.
ثم بين- سبحانه- حالهم عند ما ينزل بهم هذا العذاب الذي استعجلوا نزوله فقال فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ.
والساحة في الأصل تطلق على الفناء الواسع للدار والمراد بها هنا القوم الذين يكونون فيها والمخصوص بالذم محذوف.
أى: فإذا نزل العذاب بهؤلاء المشركين. فبئس الصباح صباحهم. ولن ينفعهم حينئذ ندم أو توبة، وخص الصباح بالذكر، لأن العذاب كان يأتيهم فيه في الغالب.
أخرج الشيخان عن أنس، رضى الله عنه. قال: صبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيبر، فلما خرجوا بفئوسهم ومساحيهم ورأوا الجيش، رجعوا يقولون: محمد والله، محمد والخميس- أى: والجيش فقال صلّى الله عليه وسلم: «الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» .
ثم كرر- سبحانه- تهديده ووعيده لهم على سبيل التأكيد لعلهم يعتبرون فقال: وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ. وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أى: وأعرض عنهم حتى حين، وأبصر ما توعدناهم به من عذاب أليم، فسوف يبصرون هم ذلك.
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ أى. تنزه وتقدس ربك- أيها الرسول الكريم- عما وصفه به الواصفون الجاهلون من صفات لا تليق بذاته.