للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- تعالى-: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ انتقال من القسم والمقسم به، إلى بيان حال الكفار وما هم عليه من غرور وعناد.

والمراد بالعزة هنا: الحمية والاستكبار عن اتباع الحق، كما في قوله- تعالى-: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ «١» .

وليس المراد بها القهر والغلبة كما في قوله- تعالى-: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ «٢» .

وأصل الشقاق: المخالفة والمنازعة بين الخصمين حتى لكأن كل واحد منهما في شق غير الذي فيه الآخر. والمراد به هنا: مخالفة المشركين لما جاءهم به النبي صلّى الله عليه وسلم.

والمعنى: وحق القرآن الكريم ذي الشرف وسمو القدر. إنك- أيها الرسول الكريم- لصادق فيما تبلغه عن ربك، ولست كما يقول أعداؤك في شأنك. بل الحق أن هؤلاء الكافرين في حمية واستكبار عن قبول الهداية التي جئتهم بها من عند ربك، وفي مخالفة ومعارضة لكل ما لا يتفق مع ما وجدوا عليه آباءهم من عبادة للأصنام، ومن عكوف على عاداتهم الباطلة.

والتعبير بفي في قوله فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ للإشعار بأن ما هم عليه من عناد ومن مخالفته للحق، قد أحاط بهم من كل جوانبهم، كما يحيط الظرف بالمظروف.

ثم خوفهم- سبحانه- بما أصاب الأمم من قبلهم، وحذرهم من أن يكون مصيرهم كمصير المكذبين السابقين فقال: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ.

«وكم» هنا خبرية. ومعناها: الإخبار عن عدد كثير. وهي في محل نصب على أنها مفعول به لأهلكنا.

وصيغة الجمع في أهلكنا للتعظيم. و «من» في قوله مِنْ قَبْلِهِمْ لابتداء الغاية، وفي قوله: مِنْ قَرْنٍ مميزة لكم. والقرن: يطلق على الزمان الذي يعيش فيه جيل من الناس، ومدته- على الراجح- مائة سنة والمراد به هنا أهل الزمان.

والمراد بالنداء في قوله- تعالى-: فَنادَوْا الاستغاثة والضراعة إلى الله أن يكشف عنهم العذاب.


(١) سورة البقرة الآية ٢٠٦.
(٢) سورة المنافقون الآية ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>