للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما وقع وشاهدوه من أمر النبي صلّى الله عليه وسلم وتصلبه في أمر التوحيد، ونفى ألوهية آلهتهم..

أى: إن هذا لشيء عظيم يراد من جهته صلّى الله عليه وسلم إمضاؤه وتنفيذه. فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله إلى إرادتكم، واصبروا على عبادة آلهتكم. وقيل: إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا، فلا حيلة إلا تجرع مرارة الصبر.

وقيل: إن هذا- أى: دينكم- يطلب لينتزع منكم ويطرح ويراد إبطاله.. «١» .

ثم يضيفون إلى ذلك قولهم: ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ... أى: ما سمعنا بهذا الدين الذي يدعونا إليه محمد صلّى الله عليه وسلم في ملة العرب التي أدركنا عليها آباءنا، أو ما سمعنا بهذا الذي يقوله محمد صلّى الله عليه وسلم في الملّة الآخرة، وهي ملة عيسى- عليه السلام- فإن أتباعه يقولون بالتثليث، ويقولون بأنه الدين الذي جاء به عيسى.

وعلى هذين القولين يكون قوله فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ متعلق بسمعنا.

ويصح أن يكون المعنى: ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد صلّى الله عليه وسلم كائنا في الملة التي تكون في آخر الزمان، والتي حدثنا. عنها الكهان وأهل الكتاب.

وعلى هذا الرأى يكون قوله فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ حالا من اسم الإشارة وليس متعلقا بسمعنا.

ثم أكدوا نفيهم لعدم سماعهم لما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلم بقولهم: إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ. أى: ما سمعنا شيئا مما يقوله، وما يقوله ما هو إلا كذب وتخرص اختلقه من عند نفسه، دون أن يسبقه إليه أحد.

يقال: اختلق فلان هذا القول، إذا افتراه واصطنعه واخترعه من عند نفسه، دون أن يكون له أصل من الواقع.

ثم صرحوا في نهاية المطاف بالسبب الحقيقي الذي حال بينهم وبين الإيمان، ألا وهو الحقد والحسد، وإنكار أن يختص الله تعالى رسوله من بينهم بالرسالة، فقالوا- كما حكى القرآن عنهم-: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؟ ....

والاستفهام للإنكار والنفي. أى: كيف يدعى محمد صلّى الله عليه وسلم أنه قد أنزل عليه القرآن من بيننا، ونحن السادة الأغنياء العظماء، وهو دوننا في ذلك؟ إننا ننكر وننفى دعواه النبوة من بيننا.

قال صاحب الكشاف: أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم وينزل عليه


(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>