الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ. أى: أنهم لم يملكوا خزائن رحمة ربك- أيها الرسول الكريم- حتى يعطوا منها من يشاءون ويمنعوها عمن يشاءون، ويتخيروا للنبوة صناديدهم ويترفعوا بها عنك.. وإنما المالك لكل ذلك هو الله- تعالى- العزيز الذي لا يغلبه غالب- الوهاب، أى: الكثير العطاء لعباده.
والمراد بالعندية في قوله عِنْدَهُمْ: الملك والتصرف. وتقديم الظرف «عند» لأنه محل الإنكار. وفي إضافة الرب- عز وجل- إلى الضمير العائد إلى النبي صلّى الله عليه وسلم تشريف وتكريم له صلّى الله عليه وسلم وجيء بصفة «العزيز» للرد على ما كانوا يزعمونه لأنفسهم وآلهتهم من ترفع وتكبر.
كما جيء بصفة «الوهاب» للإشارة إلى أن النبوة هبة من الله- تعالى- لمن يختاره من عباده، وهو- سبحانه- أعلم حيث يجعل رسالته.
وقوله- عز وجل-: أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما ... تأكيد لما أفادته الآية السابقة من عدم ملكيتهم لشيء من خزائن الله- تعالى-. أى: أن هؤلاء الكافرين ليست عندهم خزائن ربك- أيها الرسول الكريم- وليسوا بمالكين شيئا- أى شيء- من هذه العوالم العلوية أو السفلية، وإنما هم خلق صغير من خلقنا العظيم الكبير. وقوله- سبحانه-: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ تعجيز لهم، وتهكم بهم، واستخفاف بأقوالهم ومزاعمهم، والأسباب: جمع سبب وهو كل ما يتوصل به إلى غيره من حبل أو نحوه.
والفاء جواب لشرط محذوف. والتقدير: إن كان عندهم خزائن رحمتنا، ولهم شيء من ملك السموات والأرض وما بينهما، فليصعدوا في الطرق التي توصلهم إلى ما نملكه حتى يستولوا عليه، ويدبروا أمره، وينزلوا الوحى على من يختارونه للنبوة من أشرافهم وصناديدهم.
فالجملة الكريمة قد اشتملت على نهاية التعجيز لهم، والتهكم بهم وبأقوالهم، حيث بين- سبحانه- أنهم أدعياء فيما يزعمون، وأنهم يهرفون بما لا يعرفون..
ثم بشر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم بالنصر عليهم فقال: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ.
ولفظ «جند» خبر لمبتدأ محذوف. و «ما» مزيدة للتقليل والتحقير، نحو قولك: أكلت شيئا ما. أى: شيئا قليلا، وقيل: هي للتكثير والتهويل كقولهم: لأمر ما جدع قصير أنفه.