للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولفظ «قليل» خبر مقدم و «ما» مزيدة للإبهام وللتعجب من قلتهم. و «هم» مبتدأ مؤخر.

فكأنه- سبحانه- يقول: ما أقل هؤلاء المؤمنين الذين يعملون الصالحات ويحرصون على إعطاء كل ذي حق حقه، والجملة الكريمة اعتراض تذييلى.

وبهذا نرى أن داود- عليه السلام- قد قضى بين الخصمين، بما يحق الحق ويبطل الباطل.

ثم بين- سبحانه- ما حاك بنفس داود- عليه السلام- بعد أن دخل عليه الخصمان، وبعد أن حكم بينهما بالحكم السابق فقال: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ.

والظن معناه: ترجيح أحد الأمرين على الآخر.

وفتناه: بمعنى امتحناه واختبرناه وابتليناه، مأخوذ من الفتن بمعنى الابتلاء والاختبار.

أى: وظن داود- عليه السلام- أن دخول الخصمين عليه بهذه الطريقة، إنما هو لأجل الاعتداء عليه. وأن ذلك لون من ابتلاء الله- تعالى- له، وامتحانه لقوة إيمانه، ولكن لما لم يتحقق هذا الظن، وإنما الذي تحقق هو القضاء بينهما بالعدل، استغفر ربه من ذلك الظن، «وخر راكعا» أى: ساجدا لله- تعالى- وعبر عنه بالركوع لأنه في كل منهما انحناء وخضوع لله- عز وجل- «وأناب» أى: ورجع داود إلى الله- تعالى- بالتوبة وبالمداومة على العبادة والطاعة.

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ ... يعود إلى الظن الذي استغفر منه ربه، وهو ظنه بأن حضور الخصمين إليه بهذه الطريقة غير المألوفة، القصد منها الاعتداء عليه، فلما ظهر له أنهما حضرا إليه في خصومة بينهما ليحكم فيها، استغفر ربه من ذلك الظن السابق، فغفر الله- تعالى- له.

فقوله: - تعالى-: فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ أى: فغفرنا له ذلك الظن الذي استغفر منه..

وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى أى: لقربة منا ومكانة سامية وَحُسْنَ مَآبٍ أى: وحسن مرجع في الآخرة وهو الجنة.

ثم ختم- سبحانه- هذه القصة، بتلك التوجيهات الحكيمة، والآداب القويمة، التي وجهها- سبحانه- إلى كل حاكم في شخص داود- عليه السلام- فقال: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ... والخليفة: هو من يخلف غيره وينوب منابه. فهو فعيل بمعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>