للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول مع كل ذلك، إلا أننا وجدنا كثيرا من المفسرين عند حديثهم عن قصة الخصوم الذين تسوروا على داود المحراب، يذكرون قصصا في نهاية النكارة، وأقوالا في غاية البطلان والفساد.

فمثلا نرى ابن جرير وغيره يذكرون قصة مكذوبة ملخصها: «أن داود- عليه السلام- كان يصلى في محرابه.. ثم تطلع من نافذة المكان الذي كان يصلى فيه، فرأى امرأة جميلة فأرسل إليها فجاءته، فسألها عن زوجها فأخبرته بأن زوجها، اسمه «أوريا» وأنه خرج مع الجيش الذي يحارب الأعداء.. فأمر داود- عليه السلام- قائد الجيش أن يجعله في المقدمة لكي يكون عرضة للقتل.. وبعد قتله تزوج داود بتلك المرأة.. «١» .

ونرى صاحب الكشاف بعد أن يذكر هذه القصة، ثم يعلق عليها بقوله: «فهذا ونحوه مما يقبح أن يحدّث به عن بعض المتسمين بالصلاح من أبناء المسلمين، فضلا عن بعض أعلام الأنبياء..» نراه يذكر معها قصصا أخرى ملخصها: أن داود- عليه السلام- لم يعمل على قتل «أوريا» وإنما سأله أن يتنازل له عن امرأته، فانصاع لأمره وتنازل له عنها.. أو أنه خطبها بعد أن خطبها «أوريا» . فآثر أهلها داود على «أوريا» .

قال صاحب الكشاف: كان أهل زمان داود- عليه السلام- يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته، فيتزوجها إذا أعجبته، وكان لهم عادة في المواساة بذلك قد اعتادوها.. فاتفق أن عين داود وقعت على امرأة رجل يقال له «أوريا» . فأحبها، فسأله النزول عنها، فاستحيا أن يرده، ففعل، فتزوجها، وهي أم سليمان- عليه السلام-.. وقيل: خطبها «أوريا» ثم خطبها داود فآثر أهلها داود على أوريا.. «٢» .

والذي نراه أن هذه الأقوال وما يشبهها عارية عن الصحة، وينكرها النقل والعقل، ولا يليق بمؤمن أن يقبل شيئا منها..

ينكرها النقل: لأنها لم تثبت من طريق يعتد به، بل الثابت أنها مكذوبة.

قال ابن كثير: قد ذكر المفسرون هاهنا قصة، أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبى حاتم هنا حديثا لا يصح سنده، لأنه من رواية يزيد الرقاشي، عن أنس- ويزيد وإن كان من الصالحين- لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة.. «٣» .


(١) راجع تفسير ابن جرير ج ٢٣ ص ٩٣، وتفسير القرطبي ج ١٥ ص ١٦١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨٠.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>