للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والهزء- بضمتين- مصدر هزا به إذا سخر ولعب وهو هنا مصدر بمعنى اسم المفعول أى:

مهزوءا بها. وقوله هُزُواً مفعول ثان لتتخذوا.

والمراد بالحكمة هنا. السنة النبوية المطهرة.

والموعظة والعظة: النصح والتذكير بالخير. بما يرقق القلوب، ويحذر النفوس مما نهى الله عنه.

أى: ولا تتخذوا- أيها الناس- آيات الله التي شرعها لكم في شأن الطلاق وغيره مهزوءا بها بأن تعرضوا عنها، وتتهاونوا في المحافظة عليها، والتمسك بتعاليمها، ومن مظاهر ذلك أن بعض الناس كان يكثر من التلفظ بالطلاق متوهما أن ذلك لا يضر، أو كان يتخذ المراجعة وسيلة لإيذاء المرأة.

قال القرطبي: وفي موطأ مالك أنه بلغه أن رجلا قال لابن عباس: «إنى طلقت امرأتى مائة مرة فماذا ترى على؟ فقال ابن عباس: طلقت منك بثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا» «١» .

والجملة الكريمة نهى أريد به الأمر بضده، أى جدوا في العمل بأوامر الله وآياته، وارعوها حق رعايتها.

وقوله: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. إلخ أى تذكروها في هدايتكم إلى الإسلام، وفي مشروعية الزوجية وفي غير ذلك مما لا يحصى من النعم وتدبروا نعم الله عليكم فقابلوها بالشكر، واستعملوها فيما خلقت له، وتذكروا كذلك ما أنزل الله عليكم بواسطة رسولكم محمد صلّى الله عليه وسلّم من الكتاب وهو القرآن الذي يهدى للتي هي أقوم، ومن الحكمة وهي السنة النبوية المطهرة، بما جاء فيهما من توجيهات سامية، وآداب عالية.

و «ما» في قوله: وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ موصولة والعائد محذوف أى ما أنزله و «من» في قوله: مِنَ الْكِتابِ بيانية، وجملة يَعِظُكُمْ بِهِ حال من فاعل أنزل أو من مفعوله، والضمير في بِهِ يعود على الكتاب والحكمة بعد تأويلهما بالمذكور. وجعل ضميرهما واحدا لأنهما في مؤداهما وغايتهما شيء واحد، فالسنة ليست نابعة إلا من الكتاب ومنه أخذت قوتها وسلطانها.

وقوله- سبحانه-: في ختام الآية وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تذكير لهم بتقوى الله وخشيته ومراقبته، وتحذير لهم من مخالفة أمره.


(١) تفسير القرطبي ج ٣ ص ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>