وقوله: ارْكُضْ بمعنى الدفع والتحريك للشيء. يقال: ركض فلان الدابة برجله إذا دفعها وحركها بها.
والمغتسل: اسم للمكان الذي يغتسل فيه، والمراد به هنا: الماء الذي يغتسل به.
وقوله: هذا مُغْتَسَلٌ مقول لقول محذوف.
والمعنى: لقد نادانا عبدنا أيوب بعد أن أصابه من الضر ما أصابه، والتمس منا الرحمة والشفاء مما نزل به من مرض، فاستجبنا له دعاءه، وأرشدناه الى الدواء، بأن قلنا له:
«اركض برجلك» أى: اضرب بها الأرض، فضربها فنبعت من تحت رجله عين الماء، فقلنا له: هذا الماء النابع من العين إذا اغتسلت به وشربت منه، برئت من الأمراض، ففعل ما أمرناه به، فبرئ بإذننا من كل داء.
ثم بين- سبحانه- أنه بفضله وكرمه لم يكتف بمنح أيوب الشفاء من مرضه، بل أضاف إلى ذلك أن وهب له الأهل والولد فقال- تعالى-: وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ.
والآية الكريمة معطوفة على كلام مقدر يفهم من السياق أى: استجاب أيوب لتوجيهنا، فاغتسل وشرب من الماء، فكشفنا عنه ما نزل به من بلاء، وعاد أيوب معافى، ولم نكتف بذلك بل وهبنا له أهله. ووهبنا له مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أى: بأن رزقناه بعد الشفاء أولادا كعدد الأولاد الذين كانوا معه قبل شفائه من مرضه، فصار عددهم مضاعفا.
وذلك كله رَحْمَةً مِنَّا أى من أجل رحمتنا به وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ أى: ومن أجل أن يتذكر ذلك أصحاب العقول السليمة، فيصبروا على الشدائد كما صبر أيوب، ويلجئوا إلى الله- تعالى- كما لجأ، فينالوا منا الرحمة والعطاء الجزيل.
قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ الجمهور على أنه- تعالى- أحيا له من مات من أهله، وعافى المرضى، وجمع له من تشتت منهم، وقيل- وإليه أميل- وهبه من كان حيا منهم، وعافاه من الأسقام، وأرغد لهم العيش فتناسلوا حتى بلغ عددهم عدد من مضى، ومثلهم معهم، فكان له ضعف ما كان، والظاهر أن هذه الهبة كانت في الدنيا «١» .
ثم بين- سبحانه- منة أخرى من المنن التي من بها على عبده أيوب فقال: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ، إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٢٠٧.