للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبر- سبحانه- عن الرجال الذين هم محل الرضا من النساء بالأزواج فقال فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ مع أن الزواج لم يتحقق بعد، للإشارة إلى الحقيقة المقررة الثابتة، وهي أن من يقع اختيارها عليه، ولم يكن اقترانها به فيه ما يشينها أو يشين أسرتها، فمن الواجب ألا يمانع أحد في إتمام هذا الزواج، بل على الجميع أن يقروه وينفذوه، لأن شريعة الله والفطرة الإنسانية يقضيان بذلك.

وقوله: أَنْ يَنْكِحْنَ تقديره: من أن ينكحن فهو في محل جر عند الخليل والكسائي وفي محل نصب عند غيرهما، وقوله: إِذا تَراضَوْا ظرف لأن ينكحن أو لقوله:

فَلا تَعْضُلُوهُنَّ، وقوله: بِالْمَعْرُوفِ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل تراضوا، أو هو نعت لمصدر محذوف أى تراضيا كائنا بالمعروف أو هو متعلق بتراضوا. أى تراضوا بما يحسن في الدين والمروءة، وفيه إشعار بأن المنع من التزوج بغير كفء أو بما دون مهر المثل ليس من العضل المنهي عنه.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

أى: ذلك القول الحكيم، والتوجيه الكريم المشتمل على أفضل الأحكام وأسماها يوعظ به، ويستجيب له من كان منكم عميق الإيمان بالله- تعالى- وبثوابه وبعقابه يوم القيامة. ذلكم الذي شرعه الله لكم- أيها المؤمنون- من ترك عضل النساء والإضرار بهن وغير ذلك من الأحكام أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ أى أعظم بركة ونفعا، وأكثر تطهيرا من دنس الآثام، فإن المرأة إذا عوملت معاملة كريمة، ولم تظلم في رغباتها المشروعة، التزمت في سلوكها العفاف والخلق الشريف، أما إذا شعرت بالظلم والامتهان فإن هذا الشعور قد يدفعها إلى ارتكاب ما نهى الله عنه. والله تعالى يعلم ما فيه مصلحتكم ومنفعتكم، وأنتم لا تعلمون ذلك، فامتثلوا ما أمركم به واجتنبوا ما نهاكم عنه تفوزوا وتسعدوا.

والإشارة بقوله: ذلِكَ إلى ما فصل من أحكام وما أمر به من أفعال والخطاب لكل من يصلح للخطاب من المكلفين.

وخصص الوعظ بالمؤمنين لأنهم هم الذين ينتفعون به، وترق معه قلوبهم وتخشع له نفوسهم.

وأتى- سبحانه- بضمير الجمع ذلِكُمْ بعد أن قال في صدر الجملة ذلِكَ للإشارة إلى أن حماية المرأة من الهوان ومنع التضييق عليها في اختيار زوجها واجب على جميع المؤمنين، وأن فائدة ذلك ستعود عليهم جميعا ما دام هذا الاختيار في حدود الآداب التي جاء بها الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>