للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه العبادة فأما على وجه التكرمة والتبجيل، فلا يأباه العقل، إلا أن يعلم الله تعالى فيه مفسدة فينهى عنه «١» .

ثم حكى- سبحانه- ما قاله لإبليس حين عصى أمره فقال: قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ....

ومذهب السلف في مثل هذا التعبير، أن اليد- مفردة أو غير مفردة- إذا وصف الله تعالى بها ذاته، فهي ثابتة له، على الوجه الذي يليق بكماله، مع تنزهه- سبحانه- عن مشابهته للحوادث.

ومذهب الخلف: تأويل اليد بالقدرة أو النعمة. والتثنية في يدي، للتأكيد الدال على مزيد القدرة في خلقه. أى: قال الله- تعالى- لإبليس على سبيل التأنيب والتقريع: يا إبليس ما الذي منعك من السجود لآدم الذي خلقته بيدي؟

أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ. أى: أمنعك من السجود لآدم تكبرك من غير موجب لهذا التكبر، أم كنت ممن علا على غيره بدون حق؟ والاستفهام للتوبيخ والإنكار.

قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ أى: قال إبليس في الجواب على ربه- تعالى-: أنا خير من آدم.

خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فهو- لعنه الله- يرى أن النار أفضل من الطين، ولا يصح سجود الفاضل للمفضول.

ولا شك أن هذا التعليل من إبليس في نهاية سوء الأدب، لأنه بعدم سجوده قد عصى رب العالمين، وفضلا عن ذلك فإن هذه العلة لا تقتضي صحة المدعى، لأن النار ليست خيرا من الطين حتى يكون المخلوق منها أفضل، إذ النار يطفئها الطين..

وقد رد- سبحانه- على هذا التطاول من إبليس بقوله: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ.

والفاء في قوله فَاخْرُجْ لترتيب الأمر بالطرد على ما حدث منه. والضمير في «منها» يعود إلى السماء، أو إلى الجنة، لأنه كان فيهما.

أى: قال- تعالى- لإبليس على سبيل الزجر: مادمت يا إبليس قد عصيت أمرى، فاخرج من الجنة ومن كل مكان فيه تكريم لك، فإنك رجيم، أى: مطرود من رحمتي. وإن عليك لعنتي وغضبى إلى يوم القيامة، فإذا ما جاء هذا اليوم ازدادت لعنتي عليك.


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>