للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسباب التي توصل إلى الغنى والجاه.

وقال- سبحانه-: خَوَّلْناهُ لأن التخويل معناه العطاء بدون مقابل، مع تكراره مرة بعد مرة.

وجاء الضمير في قوله أُوتِيتُهُ مذكرا مع أنه يعود إلى النعمة. لأنها بمعنى الإنعام.

أى: إذا خولناه شيئا من الإنعام الذي تفضلنا به عليه، قال إنما أوتيته على علم وتبوغ عندي.

وقوله- تعالى- بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ رد لقوله ذلك، وزجر لهذا الجاحد عما تفوه به.

أى: ليس الأمر كما زعم هذا الجاحد، فإننا ما أعطيناه هذه النعم بسبب علمه- كما زعم- وإنما أعطيناه ما أعطيناه على سبيل الإحسان منا عليه، وعلى سبيل الابتلاء والاختبار له، ليتبين قوى الإيمان من ضعيفه، وليتميز الشاكر من الجاحد.

وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أى: ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقائق، ولا يفطن إليها إلا من استنارت بصيرته، وطهرت سريرته.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما السبب في عطف هذه الآية بالفاء، وعطف مثلها في أول السورة بالواو؟ قلت: السبب في ذلك أن هذه وقعت مسببة من قوله. إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. على معنى أنهم يشمئزون من ذكر الله، ويستبشرون بذكر الآلهة. فإذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأز من ذكره، دون من استبشر بذكره، وما بينهما من الآي اعتراض.. «١» .

ثم بين- سبحانه- المصير السيئ للجاحدين السابقين ليعتبر بهم اللاحقون فقال: قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ.

والضمير في قوله قالَهَا يعود إلى ما حكاه- سبحانه- عن هذا الإنسان الجاحد من قوله: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ.

فهذه الكلمة قد قالها قارون عند ما نصحه الناصحون، فقد رد عليهم بقوله إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي فكانت نهايته أن خسف الله به وبداره الأرض.

أى: قد قال هذه الكلمة الدالة على الجحود والغرور، بعض الأقوام الذين سبقوا قومك.

والذين يشبهونهم في البطر والكنود، فكانت نتيجة ذلك أن أخذهم الله- تعالى- أخذ عزيز مقتدر، ولم ينفعهم شيئا ما جمعوه من حطام الدنيا، وما اكتسبوه من متاعها.


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>