ذكر المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى- قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ. روايات منها: ما رواه محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال: لما اجتمعنا على الهجرة. تواعدت أنا وهشام بن العاص بن وائل السّهمى وعيّاش بن أبى ربيعة بن عتبة، فقلنا: الموعد أضاة بنى غفار- أى: غدير بنى غفار- وقلنا: من تأخر منا فقد حبس فليمض صاحبه فأصبحت أنا وعياش بن عتبة، وحبس عنا هشام، وإذا به قد فتن فافتتن، فكنا نقول بالمدينة: هؤلاء قد عرفوا الله- عز وجل- وآمنوا برسوله صلّى الله عليه وسلم، ثم افتتنوا لبلاء لحقهم لا نرى لهم توبة، وكانوا هم- أيضا- يقولون هذا في أنفسهم.
فأنزل الله- عز وجل- في كتابه: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ.. إلى قوله- تعالى- أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ.
قال عمر: فكتبتها بيدي، ثم بعثتها إلى هشام. قال هشام: فلما قدمت على خرجت بها إلى ذي طوى فقلت: اللهم فهمنيها، فعرفت أنها نزلت فينا، فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله صلّى الله عليه وسلم «١» .
والأمر في قوله- تعالى-: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ موجه إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم وإضافة العباد إلى الله- تعالى- للتشريف والتكريم.
والإسراف: تجاوز الحد في كل شيء، وأشهر ما يكون استعمالا في الإنفاق، كما في قوله- تعالى-: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا.
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٢٦٨، تفسير الآلوسى ج ٢٤ ص ١٥.