للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاعتقادكم أن الله- تعالى- لا يعلم ما تخفونه من أعمالكم، ولكنه يعلم ما تظهرونه منها.

وما حملكم على هذا الاعتقاد الباطل إلا جهلكم بصفات الله- تعالى- وكفركم باليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء، واستبعادكم أننا سنشهد عليكم.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ...

يجوز أن يكون هذا من قول الجوارح لهم، ويجوز أن يكون من قول الله- تعالى- لهم، أو الملائكة.

وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفر، قرشيان وثقفى، - أى شخص من قبيلة ثقيف- أو ثقفيان وقرشي، قليل فقه قلوبهم، كثير شحم بطونهم.

فقال أحدهم: أترون الله- تعالى- يسمع ما نقول: فقال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا.

فأنزل الله- عز وجل-: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ.

فالآية الكريمة تنعى على المشركين جهالاتهم الفاضحة، حيث ظنوا أن الله- تعالى- لا يعلم الكثير من أعمالهم، وتنبه المؤمنين إلى أن من الواجب عليهم أن يعلموا أن الله- تعالى- معهم، ولا يخفى عليه شيء من أقوالهم أو أفعالهم، وأنه- سبحانه- يعلم السر، وأخفى ورحم الله من قال:

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت. ولكن قل: على رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما يخفى عليك، يغيب

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة ظن هؤلاء الكافرين الجاهلين فقال: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ.

وذلِكُمْ اسم إشارة يعود إلى ظنهم السابق، وهو مبتدأ، وقوله أَرْداكُمْ خبره.

أى: وذلكم الظن الذي ظننتموه بربكم، وهو أنه- سبحانه- لا يعلم كثيرا مما تعملونه سرا، هذا الظن أَرْداكُمْ أى: أهلككم، يقال ردى فلان- كصدى- إذا هلك فَأَصْبَحْتُمْ أيها الكافرون من الخاسرين لكل شيء في دنياكم.

فَإِنْ يَصْبِرُوا عن العذاب فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ أى: فالنار هي المكان المعد لثوائهم فيه، ولبقائهم به بقاء أبديا. يقال: ثوى فلان بالمكان إذا أقام به إقامة دائمة. وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ أى: وإن يطلبوا الرضا عنهم، فما هم من المرضى عنهم، وإنما هم من المغضوب عليهم، أو وإن يطلبوا منا الرجوع إلى ما يرضينا بأن نعيدهم

<<  <  ج: ص:  >  >>