وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
أى: ما تتمنوه وتطلبونه، فقوله تَدَّعُونَ
افتعال من الدعاء بمعنى الطلب.
قوله- تعالى-: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ حال من قوله: ما تَدَّعُونَ
، وأصل النزل: ما يقدم للضيف عند نزوله على المضيف من مأكل طيب، ومشرب حسن، ومكان فيه راحته.
أى: لكم في الدار الآخرة جميع ما تطلبونه وما تدعونه، حال كون هذا المعطى لكم رزقا وضيافة مهيأة لكم من ربكم الواسع المغفرة والرحمة.
ثم سمت السورة الكريمة بعد ذلك بمنازل الذين يقومون بالدعوة إلى الحق بحكمة وإخلاص فقال- تعالى-: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
أى. لا أحد أحسن قولا، وأعظم منزلة، ممن دعا غيره إلى طاعة الله- تعالى- وإلى المحافظة على أداء ما كلفه به.
ولم يكتف بهذه الدعوة لغيره، بل أتبع ذلك بالعمل الصالح الذي يجعل المدعوين يزدادون استجابة له.
وَقالَ: بعد كل ذلك على سبيل السرور والابتهاج والتحدث بنعمة الله إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
أى: من الذين أسلموا وجوههم لله- تعالى- وأخلصوا له القول والعمل.
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية، أى: وهو في نفسه مهتد بما يقوله، فنفعه لنفسه لازم ومتعد، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه.. وهذه الآية عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتد.
وقيل المراد بها المؤذنون الصلحاء ... والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم» «١» .
ثم أرشد- سبحانه- إلى ما ينمى روح المحبة والمودة.. بين الداعي والمدعوين بصفة خاصة، وبين المسلم وغيره بصفة عامة، فقال: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ.
أى: ولا تستوي الخصلة الحسنة ولا الخصلة السيئة، لا في ذواتهما ولا في الآثار التي تترتب
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٦٨.