للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بين- سبحانه- سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ...

أى: من عمل عملا صالحا بأن آمن بالله، وصدق بما جاء به رسله، فثمرة عمله الصالح لنفسه.

وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها أى: ومن عمل عملا سيئا، فضرر هذا العمل واقع عليها وحدها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أى: وليس ربك- أيها الرسول الكريم- بذي ظلم لعباده الذين خلقهم بقدرته، ورباهم بنعمته.

فقوله بِظَلَّامٍ صيغة نسب- كثمار وخباز- وليس صيغة مبالغة.

قال بعض العلماء ما ملخصه: «وفي هذه الآية وأمثالها سؤال معروف، وهو أن لفظة «ظلام» فيها صيغة مبالغة. ومعلوم أن نفى المبالغة لا يستلزم نفى أصل الفعل. فقولك- مثلا-: زيد ليس بقتال للرجال لا ينفى إلا مبالغته في قتلهم، فلا ينافي أنه ربما قتل بعض الرجال.

ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة- وهي لفظ ظلام- في هذه الآية وأمثالها المراد به نفى الظلم من أصله.

وقد أجابوا عن هذا الإشكال بإجابات منها: أن نفى صيغة المبالغة هنا، قد جاء في آيات كثيرة ما دل على أن المراد به نفى الظلم من أصله، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً وقوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ...

ومنها: أن المراد بالنفي في الآية، نفى نسبة الظلم إليه. لأن صيغة فعال تستعمل مرادا بها النسبة، فتغنى عن ياء النسب.. كقولهم «لبان» أى: ذو لبن، ونبال أى صاحب نبل..» «١» .

ثم بين- سبحانه- في أواخر هذه السورة الكريمة، أن علم قيام الساعة إليه- تعالى- وحده، وأن الإنسان لا يسأم من طلب المزيد من الخير فإذا مسه الشر يئس وقنط. وأن حكمته- تعالى- قد اقتضت أن يقيم للناس الأدلة على قدرته ووحدانيته من أنفسهم وعن طريق هذا الكون الذي يعيشون فيه فقال- تعالى-:


(١) راجع تفسير أضواء للبيان ج ٧ ص ١٤٠ للشيخ الشنقيطى.

<<  <  ج: ص:  >  >>