للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تركبونه وتحملون عليه أثقالكم، وتنتقلون بواسطته من مكان إلى آخر.

فما في قوله ما تَرْكَبُونَ موصولة، والعائد محذوف والجملة مفعول جَعَلَ وقوله: مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ بيان له مقدم عليه. أى: وجعل لكم ما تركبونه من الفلك والأنعام.

ثم بين- سبحانه- الحكمة من هذا التذليل والتسخير للفلك والأنعام فقال: لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ.. والضمير في ظُهُورِهِ يعود إلى ما في قوله ما تَرْكَبُونَ وجاء مفردا رعاية للفظ ما وجمع الظهور لأن المراد بالمركوب جنسه.

والاستواء: الاستعلاء على الشيء، والتمكن منه، أى: سخر لكم من السفن والأنعام ما تركبونه، ولتستعلوا على ظهوره استعلاء المالك على مملوكه.

ثُمَّ تَذْكُرُوا بعد كل هذا التمكن والاستعلاء نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ أى:

على تلك السفن والأنعام التي تركبونها.

والضمير في عَلَيْهِ يعود- أيضا- الى ما في قوله ما تَرْكَبُونَ باعتبار لفظه وَتَقُولُوا على سبيل الشكر لله- تعالى- والاعتراف بفضله سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا.

أى: وتقولوا: جل شأن الله، وتنزه عن الشريك والمثيل، فهو الذي سخر لنا هذا المركوب من الفلك والأنعام، وجعله منقادا لنا، طائعا لأمرنا.

وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ أى: والحال أننا ما كنا لهذا المركوب الصعب بقادرين على التمكن منه، لولا أن الله- تعالى- سخره لنا، وجعله منقادا لأمرنا.

فقوله: مُقْرِنِينَ أى: مطيقين وقادرين وضابطين، من أقرن الشيء، إذا أطاقه وقدر عليه، حتى لكأنه صار له قرنا، أى: مثله في الشدة والقوة.

والمقصود: ما كنا بقادرين أو بمطيقين لتذليل هذه السفن والأنعام، لولا أن الله- تعالى- قد جعلها منقادة لنا، ومسخرة لخدمتنا.

ولا يخفى أن الجمل أقوى من الإنسان، وأن البحر لو لم يذلله- سبحانه- لنا، لما قدرت السفن على الجري فيه.

قال القرطبي: قوله: وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ أى: مطيقين.. أو ضابطين وفي أصله قولان: أحدهما: أنه مأخوذ من الإقران، يقال: أقرن يقرن إقرانا إذا أطاق. وأقرنت كذا: أطقته وحكمته، كأنه جعله في قرن- أى: حبل- فأوثقه به وشده.

<<  <  ج: ص:  >  >>