خالق هذا الكون قالوا: الله. ومع ذلك فهم لجهالتهم اعتقدوا اعتقادا باطلا بأن الملائكة بناته، مع أن الملائكة من مخلوقاته التي يشملها هذا الكون.
فالمقصود من الآية الكريمة تجهيل هؤلاء المشركين، وتعجيب كل عاقل من سفاهتهم.
والظاهر أن المراد بالإنسان في قوله- تعالى-: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ الكافر والفاسق من بنى آدم، لأن الإنسان المؤمن لا يجحد نعم الله، وإنما يشكره- تعالى- عليها.
أى: إن الإنسان الكافر والفاسق عن أمر ربه، لشديد الجحود لنعم ربه، مظهرا ذلك في أقواله وفي أفعاله.
ثم ساق- سبحانه- ما يدل على السخرية منهم ومن أحوالهم الشاذة فقال: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ فالاستفهام للتوبيخ والإنكار.
وأَصْفاكُمْ أى: آثركم واختصكم. يقال: أصفى فلان فلانا بالشيء، إذا اختصه به. ومنه قولهم لما يختص السلطان به نفسه من الأشياء النفيسة: الصوافي.
أى: لقد زعمتم أن الملائكة بنات الله، فخبروني بربكم هل يعقل أن يتخذ الله- تعالى- أولاده من البنات اللائي هن أقل منزلة من البنين في تقديركم، ويترك لكم الذكور؟ إن من شأن الذي يختار جنس الأولاد أن يختار أعلاهم منزلة فبأى منطق زعمتم أن الملائكة بنات الله.
قال صاحب الكشاف: قوله: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ ... أى: بل آتخذ والهمزة للإنكار، تجهيلا لهم، وتعجيبا من شأنهم، حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءا حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزءين. وهو الإناث دون الذكور..
فكأنه قيل: هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه- تعالى- جائزة فرضا وتمثيلا أما تستحون من الشطط في القسمة، ومن ادعائكم أنه آثركم على نفسه بخير الجزءين..؟ «١» .
ثم أكد- سبحانه- جهلهم وغفلتهم عن المنطق السليم فقال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ...
أى: أنهم قالوا الملائكة بنات الله، والحال أن الواحد منهم إذا بشره مبشر بأن امرأته قد ولدت له أنثى، صار وجهه مسودا من شدة الحزن، وظل ممتلئا بالهم والكرب.
فالمراد بقوله: بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا جنس البنات حيث قالوا: الملائكة بنات الله.
قال الجمل: قوله: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ ... استئناف مقرر لما قبله. وقيل حال، على
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٤٣.