فالمراد بالكتابة والسؤال: معاقبتهم على افترائهم الكذب. وتجهيلهم فيما قالوه، ثم حكى- سبحانه- لونا من ألوان معاذيرهم الكاذبة فقال: وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ.
أى: وقال هؤلاء المشركون على سبيل الاحتجاج بالأعذار الباطلة: لو شاء الرحمن عدم عبادتنا للملائكة أو للأصنام ما عبدناهم.
ثم يرد الله- تعالى- عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويهدم معاذيرهم فقال: ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.
أى. قالوا ما قالوه من غير علم أو برهان.. لأن مشيئة الله لا يعلمها أحد سواه، ولأنه- سبحانه- قد اقتضت حكمته ومشيئته. أن يجعل للإنسان القدرة على اختيار طريق الحق أو طريق الباطل، وهم قد اختاروا طريق الباطل، واستحبوا الكفر على الإيمان دون أن يكرههم على ذلك مكره، فما قالوه ما هو إلا نوع من أنواع خرصهم وكذبهم وظنونهم الفاسدة.
وقد فصلنا القول في مسألة المشيئة عند تفسيرنا لقوله- تعالى- في سورة الأنعام:
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا....
وعند تفسيرنا لقوله- تعالى- في سورة النحل: وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا.. «١» .
وقوله- تعالى-: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ إضراب عن نفى أن يكون لهم فيما ادعوه علم عن طريق العقل، إلى إبطال أن يكون لهم علم من جهة النقل.
وأَمْ بمعنى بل والهمزة. والاستفهام للإنكار والتوبيخ، أى: بل أأعطيناهم كتابا من قبل القرآن، فيه ما يشهد بصحة أقوالهم فهم بهذا الكتاب مستمسكون؟ كلا إننا لم نعطهم شيئا من ذلك.
ثم بين- سبحانه- مستندهم الحقيقي فقال: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ.
أى: أنهم ليس لهم في الحقيقة مستند لا من العقل ولا من النقل، وإنما مستندهم الوحيد تقليدهم لآبائهم في جهالاتهم وسفاهاتهم وكفرهم. فقد قالوا عند ما دعاهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم الى الدين الحق: إنا وجدنا آباءنا على أمة، أى على دين وطريقة تؤم وتقصد، وهي عبادة هذه الآلهة وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ وطريقتهم مُهْتَدُونَ أى: سائرون بدون تفكر أو تدبر، أو
(١) راجع تفسيرنا لهذه الآية ص ١٤٣ من تفسير سورة النحل. [.....]