ثم بين- سبحانه- أنه لا شفاعة لأحد إلا بإذنه، فقال: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون.
والمراد بالموصول في قوله: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ ... الأصنام وغيرها مما عبد من دون الله- تعالى-، وهو فاعل، وجملة يَدْعُونَ صلة لا محل لها من الإعراب، والعائد محذوف.
والشفاعة من الشفع بمعنى الضم، لأن الشفيع ينضم إلى المشفوع له، فيصير شفعا بعد أن كان فردا.
والاستثناء في قوله إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ متصل، لأن المستثنى منه عام، ثم استثنى منه الموحدون، كعيسى ابن مريم.
والمعنى: ولا يملك المعبودون من دون الله- تعالى- الشفاعة لأحد من الناس، إلا من شهد بالحق منهم، وأخلص العبادة لله- تعالى- وحده، كعيسى ابن مريم، وعزير، والملائكة، فهؤلاء يملكونها إذا أذن الله- سبحانه- لهم بها.
ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا، إذا كان المستثنى منه خاصا بالأصنام فيكون المعنى:
ولا تملك الأصنام الشفاعة لأحد، لكن من شهد بالحق وبوحدانية الله كعيسى ابن مريم وغيره، فإنه يملكها بإذن الله- تعالى-.
ويصح أن يكون المراد بقوله: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ المؤمن المشفوع فيه فيكون المعنى: ولا يملك أحد الشفاعة لأحد. إلا لمن آمن بالله- تعالى- وشهد الشهادة الحق وهو المؤمن، فإنه تجوز الشفاعة له، أما الكافر فلا يملك أحد أن يشفع له. كما قال- تعالى-:
وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى..
وجملة وَهُمْ يَعْلَمُونَ حالية. أى: والحال أنهم يعلمون علما يقينا، أن المستحق للعباد هو الله- تعالى-.
وقيد- سبحانه- الشهادة بقوله وَهُمْ يَعْلَمُونَ للإشعار بأن الشهادة بالحق مع العلم بها هي المعتدة، أما الشهادة بدون علم بالمشهود به فإنها لا تكون كذلك.
وجمع- سبحانه- الضمير هُمْ باعتبار معنى مِنْ، وأفرده في ضمير شَهِدَ باعتبار لفظها.
ثم بين- سبحانه- ما كان عليه المشركون من تناقض بين أقوالهم وأفعالهم فقال:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ.