للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا غربة على مؤمن. ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه. إلا بكت عليه السماء والأرض. ثم قرأ صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية. ثم قال: إنهما لا يبكيان على كافر «١» .

ثم بين- سبحانه- جانبا من نعمه على بنى إسرائيل فقال: وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ.

أى: والله لقد نجينا- بفضلنا ورحمتنا- بنى إسرائيل من العذاب المهين، الذي كان ينزله بهم أعداؤهم، كقتلهم للذكور، واستبقائهم للإناث..

وقوله: مِنْ فِرْعَوْنَ بدل من العذاب على حذف المضاف، والتقدير: من عذاب فرعون.. أو على المبالغة كأن فرعون نفس العذاب، لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم.

ثم بين- سبحانه- حال فرعون فقال: إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ أى: نجيناهم من فرعون الذي كان متكبرا متجبرا، ومن المسرفين في فعل الشرور، وفي ارتكاب القبائح..

ثم بين- سبحانه- جانبا آخر من إكرامه لبنى إسرائيل فقال: وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ.

والاختيار: الاصطفاء على سبيل التشريف والتكريم، أى: ولقد اصطفينا بنى إسرائيل على عالمي زمانهم، ونحن عالمون بذلك علما اقتضته حكمتنا ورحمتنا.

فقوله عَلى عِلْمٍ في موضع الحال من الفاعل، والمراد بالعالمين: أهل زمانهم المعاصرين لهم، بدليل قوله- تعالى- في الأمة الإسلامية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ...

وهذا الاصطفاء والاختيار، إنما مرده إلى من يعمل منهم عملا صالحا، أما الذين لم يعملوا ذلك فلا مزية لهم ولا فضل، ولذا نجد كثيرا من الآيات تذم من يستحق الذم منهم.

ومن ذلك قوله- تعالى-: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ «٢» .

ثم بين- سبحانه- بعض المعجزات التي جاءتهم على أيدى رسلهم فقال: وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ.

أى: وأعطيناهم من المعجزات الدالة على صدق رسلهم كموسى وعيسى وغيرهما، ما فيه بلاء مبين.


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٣٩.
(٢) سورة المائدة الآية ٧٨. ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>