للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ أى: وأضل الله- تعالى- هذا الشقي، بأن خلق فيه الضلالة، على علم منه- سبحانه- بأن هذا الشقي أهل لذلك لاستحبابه العمى على الهدى.

فيكون قوله عَلى عِلْمٍ حال من الفاعل، أى أضله- سبحانه- حالة كونه عالما بأنه من أهل الضلال.

ويصح أن يكون حالا من المفعول، أى: وأضل الله- تعالى- هذا الشقي، والحال أن هذا الشقي عالم بطريق الإيمان، ولكنه استحب الغي على الرشد.

وقوله وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ والختم: الوسم بطابع ونحوه، مأخوذ من وضع الخاتم على الشيء، وطبعه فيه للاستيثاق، لكي لا يخرج منه ما بداخله ولا يدخله ما هو خارج عنه.

أى: وطبع على سمعه وقلبه، فجعله لا يسمع سماع تدبر وانتفاع، ولا يفقه ما فيه هدايته ورشده.

وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً أى: وجعل على بصره غطاء، يحجب عنه الرؤية السليمة للأشياء وأصل الغشاوة ما يغطى به الشيء، من غشاه إذا غطاه.

والاستفهام في قوله- تعالى-: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ للإنكار والنفي.

أى: لا أحد يستطيع أن يهدى هذا الإنسان الذي اتخذ إلهه هواه من بعد أن أضله الله- عز وجل-.

أَفَلا تَذَكَّرُونَ أى: أفلا تتفكرون وتتأملون فيما سقت لكم من مواعظ وعبر، تفكرا يهديكم إلى الرشد، ويبعثكم على الإيمان.

فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة، تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من المشركين، وتعجيب من أحوالهم التي بلغت الغاية في الجهالة والضلالة. ودعوة لهم إلى التذكر والاعتبار، لأن ذلك ينقلهم من الكفر إلى الإيمان.

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك جانبا من أقوالهم الباطلة فقال: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ.

أى: وقال هؤلاء المشركون على سبيل الجهل والعناد والجحود للحق، ما الحياة إلا هذه الحياة الدنيوية التي نحياها فيها، وليس هناك حياة سواها، فنحن نموت ثم يحيا أولادنا من

<<  <  ج: ص:  >  >>