للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- سبحانه-: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً تعليل للإيصاء المذكور ولفظ كُرْهاً قرئ بضم الكاف وفتحها، وهما قراءتان سبعيتان، قالوا: ومعناهما واحد كالضّعف- بتشديد الضاد وفتحها أو ضمها- فهما لغتان بمعنى واحد.

وهذا اللفظ منصوب على الحال من الفاعل. أى: حملته أمه ذات كره. ووضعته ذات كره، أو هو صفة لمصدر مقدر، أى: حملته حملا ذا كره، ووضعته كذلك.

ولا شك في أن الأم تعانى في أثناء حملها ووضعها لوليدها، الكثير من المشاق والآلام والمتاعب.. فكان من الوفاء أن يقابل ذلك منها بالإحسان والإكرام.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- في آية أخرى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ.. «١» .

أى: حملته أمه ضعفا على ضعف، لأن الحمل كلما تزايد وعظم في بطنها، ازداد ضعفها..

وقوله- تعالى-: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً بيان لمدة الحمل والفطام، والكلام على حذف مضاف. والفصال: مصدر فاصل، وهو بمعنى الفطام، وسمى الفطام فصالا، لأن الطفل ينفصل عن ثدي أمه في نهاية الرضاع.

أى: ومدة حمل الطفل مع مدة فصاله عن ثدي أمه، ثلاثون شهرا.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: المراد بيان مدة الرضاع لا الفطام، فكيف عبر عنه بالفصال.. قلت: لما كان الرضاع يليه الفصال ويلابسه، لأنه ينتهى به ويتم، سمى فصالا..

وفيه فائدة، وهي الدلالة على الرضاع التام المنتهى بالفصال ووقته.. «٢» .

وقال الشوكانى: وقد استدل بهذه الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر، لأن مدة الرضاع سنتان، أى: مدة الرضاع الكامل، كما في قوله- تعالى-: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ فذكر- سبحانه- في هذه الآية أقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع.

وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم، آكد من حق الأب، لأنها هي التي حملت وليدها بمشقة ووضعته بمشقة، وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب.. «٣» .

وقوله- تعالى-: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ.. غاية لمحذوف يفهم من سياق الكلام.


(١) سورة لقمان الآية ١٤.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٠٢.
(٣) راجع تفسير الشوكانى ج ٥ ص ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>