ولكن قومه لم يقابلوا ذلك بالطاعة والإذعان، بل قابلوا دعوة نبيهم لهم بالإعراض والاستخفاف، وقد حكى القرآن ذلك بقوله: قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا، فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. أى: قال قوم هود له- على سبيل الإنكار والسفاهة- أجئتنا بهذه الدعوة لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا أى: لتصرفنا وتبعدنا عن عبادة آلهتنا التي ألفنا عبادتها يقال: أفك فلان فلانا عن الشيء، إذا صرفه عنه.
ثم أضافوا إلى هذا الإنكار، إنكارا آخر مصحوبا بالتحدي والاستهزاء فقالوا: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا. أى: إن كان الأمر كما تقول فأتنا بما تعدنا به من العذاب العظيم، إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيما أخبرتنا به.
وهكذا نلمس في ردهم سوء الظن، وعدم الفهم، واستعجال العذاب، والإصرار على الباطل الذي ألفوه..
ولكن هودا- عليه السلام- قابل كل هذه الجهالات بالحلم والأناة، فرد عليهم بقوله:
قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ.... أى: قال لهم: إنما علم وقت نزول العذاب بكم عند الله- تعالى- وحده، ولا مدخل لي في ذلك.
وإنما أنا أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إليكم من ربي وربكم، وتلك هي وظيفتي.
ثم عقب على هذا الرد بما يدل على حمقهم وغبائهم فقال: وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ.
أى: أنا لا علم لي بوقت نزول العذاب عليكم، لأن رسالتي محصورة في التبليغ والإنذار..
وهذا كان يجب أن يكون مفهوما لديكم لوضوحه.. ولكني أراكم قوما تجهلون ما هو واضح، وتنكرون ما هو حق، وتصرون على ما هو باطل، وتطالبوننى بما لا أملكه.
ثم يجمل السياق بعد ذلك ما كان بين هود وقومه من جدال طويل، ليصل إلى العذاب الذي استعجلوه فيقول: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا ...
والفاء في قوله فَلَمَّا رَأَوْهُ ... فصيحة.
والضمير في قوله رَأَوْهُ يعود إلى ما في قوله- تعالى- قبل ذلك: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا والمراد به العذاب.
قال الشوكانى: الضمير في «رأوه» يرجع إلى «ما» في قوله بِما تَعِدُنا. وقال المبرد والزجاج: الضمير في «رأوه» يعود إلى غير مذكور، وبينه قوله عارِضاً، فالضمير يعود إلى السحاب. أى: فلما رأوا السحاب عارضا، فعارضا نصب على التكرير، أى: