للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بين- سبحانه- الحكمة من إرساله صلّى الله عليه وسلّم فقال: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.

وقوله: وَتُعَزِّرُوهُ من التعزير بمعنى النصرة مع التعظيم والتفخيم.

وقوله: وَتُوَقِّرُوهُ أى: تعظموه وتقدروه.

وقوله: وَتُسَبِّحُوهُ من التسبيح بمعنى التنزيه. تقول: سبحت الله- تعالى-، أى:

نزهته عما لا يليق به، وبُكْرَةً أول النهار، وأَصِيلًا آخره، والمراد ظاهرهما، أو جميع أوقات النهار، كما يقال: شرقا وغربا لجميع الجهات.

والخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم ولأمته، كقوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ... والقراءة بتاء الخطاب، هي قراءة الجمهور من القراء.

قال الآلوسى: وهو من باب التغليب، غلب فيه المخاطب على الغائب فيفيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مخاطب بالإيمان برسالته كأمته.. «١» .

أى: أرسلناك- أيها الرسول الكريم- شاهدا ومبشرا ونذيرا، لتكون على رأس المؤمنين بما أرسلناك به، وليتبعك في ذلك أصحابك ومن سيأتى بعدهم، بأن يؤمنوا بالله ورسوله إيمانا حقا، ولينصروك ويعظموك، وليسبحوا الله- تعالى- في الصباح والمساء. وعلى هذا يكون الضمير في قوله- تعالى-: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ يعود إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وفي قوله وَتُسَبِّحُوهُ يعود إلى الله- تعالى-.

قال القرطبي ما ملخصه: قرأ ابن كثير وأبو عمرو ليؤمنوا وكذلك يعزروه ويوقروه ويسبحوه كله بالياء على الخبر..

وقرأ الباقون بالتاء في الخطاب ... والهاء في قوله: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهنا وقف تام. ثم تبتدئ بقوله: وَتُسَبِّحُوهُ أى: تسبحوا الله بكرة وأصيلا.

وقيل: الضمائر كلها لله- تعالى- فعلى هذا يكون تأويل: تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ أى:

تثبتوا له صحة الربوبية، وتنفوا عنه أن يكون له ولد أو شريك.. «٢» .

ثم مدح- سبحانه- الذين عاهدوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم ووفوا بعهودهم أكمل وفاء، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ..


(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ٩٥.
(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>