للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آيات أخرى، منها قوله تعالى-: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً.

وقد دلت آيات من كتاب الله على أن الله- تعالى- لم يخاطبه في كتابه باسمه، وإنما يخاطبه بما يدل على التعظيم كقوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ. يا أَيُّهَا الرَّسُولُ. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ.

مع أنه- سبحانه- قد نادى غيره من الأنبياء بأسمائهم، كقوله- تعالى-: وَقُلْنا يا آدَمُ. وقوله- عز وجل-: وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا.

أما النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يذكر اسمه في القرآن في خطاب، وإنما ذكر في غير ذلك، كقوله- تعالى- وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ «١» .

ثم مدح- سبحانه- الذين يغضون أصواتهم في حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله، أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى.

وقوله: يَغُضُّونَ بمعنى يخفضون. يقال: غض فلان من صوته ومن طرفه إذا خفضه. وكل شيء كففته عن غيره فقد غضضته.

وقوله: امْتَحَنَ أى: اختبر وأخلص، وأصله من امتحان الذهب وإذابته ليخلص جيده من خبيثة، والمراد به هنا: إخلاص القلوب لمراقبة الله وتقواه.

أى: إن الذين يخفضون أصواتهم في حضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعند مخاطبتهم له.

أولئك الذين يفعلون ذلك، هم الذين أخلص الله- تعالى- قلوبهم لتقواه وطاعته، وجعلها خالصة من أى شيء سوى هذه الخشية والطاعة.

قال صاحب الكشاف: «امتحن الله قلوبهم للتقوى» من قولك: امتحن فلان لأمر كذا وجرب له، ودرب للنهوض به، فهو مضطلع به غير وان عنه، والمعنى: أنهم صبروا على التقوى، أقوياء على احتمال مشاقها. أو وضع الامتحان موضع المعرفة، لأن تحقق الشيء باختباره، كما يوضع الخبر موضعها، فكأنه قيل: عرف الله قلوبهم للتقوى «٢» .

وقوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ بشارة عظيمة من الله- تعالى- لهم. أى: لهؤلاء الغاضين أصواتهم عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغفرة لذنوبهم، وأجر كبير لا يعرف مقداره أحد سوى الله- تعالى-.


(١) تفسير أضواء البيان ج ٧ ص ٦١٦ للشيخ الشنقيطى.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>