للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارتكابهم لهذه الرذائل، يؤدى بهم إلى الفسوق والخروج عن طاعة الله- تعالى- بعد أن اتصفوا بصفة الإيمان.

وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام ابن جرير فقال ما ملخصه: وقوله بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ. يقول- تعالى-: ومن فعل ما نهينا عنه، وتقدم على معصيتنا بعد إيمانه، فسخر من المؤمنين، ولمز أخاه المؤمن ونبزه بالألقاب، فهو فاسق، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، يقول: فلا تفعلوا فتستحقوا إن فعلتموه. أن تسموا فساقا- بعد أن وصفتهم بصفة الإيمان «١» .

وقال الإمام الفخر الرازي ما ملخصه: هذا أى قوله- تعالى- بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ من تمام الزجر كأنه- تعالى- يقول: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا فإن من يفعل ذلك يفسق بعد إيمانه، والمؤمن يقبح منه أن يأتى بعد إيمانه بفسوق.. ويصير التقدير: بئس الفسوق بعد الإيمان «٢» .

ويبدو لنا أن هذا الرأى أنسب للسياق، إذ المقصود من الآية الكريمة نهى المؤمنين عن السخرية أو اللمز أو التنابز بالألقاب، لأن تعودهم على ذلك يؤدى بهم إلى الفسوق عن طاعة الله- تعالى- والخروج عن آدابه، وبئس الوصف وصفهم بذلك أى: بالفسق بعد الإيمان.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أى: ومن لم يتب عن ارتكاب هذه الرذائل، فأولئك هم الظالمون لأنفسهم، حيث وضعوا العصيان موضع الطاعة، والفسوق في موضع الإيمان.

هذا، ومن الإحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآية: وجوب الابتعاد عن أن يعيب المسلم أخاه المسلم، أو يحتقره، أو يناديه بلقب سيئ.

قال الآلوسى: اتفق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره، سواء كان صفة له أم لأبيه أم لأمه أم لغيرهما. «٣»

ويستثنى من ذلك نداء الرجل بلقب قبيح في نفسه، لا على قصد الاستخفاف به، كما إذا دعت له الضرورة لتوقف معرفته، كقول المحدثين: سليمان الأعمش، وواصل الأحدب


(١) تفسير ابن جرير ج ٢٦ ص ٨٥.
(٢) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٥٧٧.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>