للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل، حين سأل عن الإسلام. ثم عن الإيمان.. فترقى من الأعم إلى الأخص.

كما يدل على ذلك حديث الصحيحين عن سعد بن أبى وقاص، أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أعطى رجلا ولم يعط آخر. فقال سعد: يا رسول الله، مالك عن فلان إنى لأراه مؤمنا، فقال: «أو مسلما» ..

فقد فرق صلّى الله عليه وسلّم بين المؤمن والمسلم. فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام.

كما دل هنا عن أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية، إنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم. فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا بذلك.. «١» .

ثم أرشدهم- سبحانه- إلى ما يكمل إيمانهم فقال: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

ومعنى: «لا يلتكم» لا ينقصكم. يقال: لات فلان فلانا حقه- كباع- إذا نقصه.

أى: وإن تطيعوا الله- تعالى- ورسوله، بأن تخلصوا العبادة، وتتركوا المن والطمع، لا ينقصكم- سبحانه- من أجور أعمالكم شيئا، إن الله- تعالى- واسع المغفرة والرحمة لعباده التائبين توبة صادقة نصوحا.

ثم بين- سبحانه- صفات عباده المؤمنين الصادقين فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.

أى: إنما المؤمنون حق الإيمان وأكمله، هم الذين آمنوا بالله- تعالى- ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أى: لم يدخل قلوبهم شيء من الريبة أو الشك فيما أخبرهم به نبيهم صلّى الله عليه وسلّم.

وأتى- سبحانه- بثم التي للتراخي، للتنبيه على أن نفى الريب عنهم ليس مقصورا على وقت إيمانهم فقط، بل هو مستمر بعد ذلك إلى نهاية آجالهم، فكأنه- سبحانه- يقول: إنهم آمنوا عن يقين، واستمر معهم هذا اليقين إلى النهاية.

ثم أتبع ذلك ببيان الثمار الطيبة التي ترتبت على هذا الإيمان الصادق فقال: وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

أى: وبذلوا من أجل إعلاء كلمة الله- تعالى-، ومن أجل دينه أموالهم وأنفسهم.


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٦٨. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>