اللقاء واللقى واللقية. والمقصود: استقبلوهم وكانوا في مواجهتهم وقريبا منهم. ومرادهم بقولهم «آمنا» أخلصنا الإيمان بقلوبنا لأن الإقرار باللسان معلوم منهم.
وإذا خلوا إلى شياطينهم، أى: انفردوا مع رؤسائهم وقادتهم المشبهين الشياطين في تمردهم وعتوهم وصدهم عن سبيل الحق. يقال: خلا به وإليه ومعه، خلوا وخلاء وخلوة: سأله أن يجتمع به في خلوة ففعل وأخلاه معه.
أو المعنى: وإذا مضوا وذهبوا إلى شياطينهم، يقال: خلا بمعنى مضى وذهب، ومنه قوله تعالى قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ. أى مضت.
وعبر عن حالهم مع المؤمنين بالملاقاة، وعن حالهم مع الشياطين بالخلوة إيذانا بأن هؤلاء المنافقين لا أنس لهم بالمؤمنين، ولا طمأنينة منهم إليهم فهم لا يجالسونهم ولا يسامرونهم، وإنما كل ما هنالك أن يلقوهم في عرض طريق، أما شأنهم مع شياطينهم فهم إليهم يركنون، وإليهم يتسامرون ويتحادثون، لذلك هم بهم يخلون.
والمعية في قولهم إِنَّا مَعَكُمْ، المراد منها موافقتهم في دينهم، وأكدوا ما خاطبوا به شياطينهم بحرف التأكيد، إذ قالوا إِنَّا مَعَكُمْ ليزيلوا ما قد يجرى في خواطرهم من أنهم فارقوا دينهم وانقلبوا إلى دين الإسلام بقلوبهم ولم يؤكدوا ما خاطبوا به المؤمنين، إذ قالوا لهم آمَنَّا ولم يقولوا «إنا آمنا» ليوهموهم أنهم بمرتبة لا ينبغي أن يترددوا في إيمانهم حتى يحتاجوا إلى تأكيد.
وقوله- تعالى- حكاية عنهم: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. وارد مورد الجواب عما قد يعترض به عليهم شياطينهم إذا قالوا لهم: كيف تدعون أنكم معنا مع أنكم توافقون المؤمنين في عقيدتهم وتشاركونهم في مظاهر دينهم؟
فكان جوابهم عليهم إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ والاستهزاء: السخرية والاستخفاف بالغير، يقال: هزأ منه وبه- كمنع وسمع- واستهزأ به، أى: سخر.
والمعنى: إننا نظهر للمؤمنين الموافقة على دينهم استخفافا بهم وسخرية منهم، لا أن ذلك صادر منا عن صدق وإخلاص.
ثم بين- سبحانه- موقفه منهم فقال: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ.
حمل بعض العلماء استهزاء الله بهم على الحقيقة وإن لم يكن من أسمائه المستهزئ، لأن معناه يحتقرهم على وجه شأنه أن يتعجب منه، وهذا المعنى غير مستحيل على الله، فيصح إسناده إليه- تعالى- على وجه الحقيقة.