للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم هذا التنظيم الحكيم الذي أوجب فيه على المصلحين أن يدافعوا المفسدين، وأن يقاوموهم بالطريقة التي تمنع فسادهم حتى ولو أدى ذلك إلى رفع السلاح في وجوههم، لأن السكوت عن فساد المفسدين سيؤدي إلى العقاب الذي يعمهم ويصيب معهم المصلحين.

ثم ختم- سبحانه- قصة هؤلاء القوم من بنى إسرائيل بقوله: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.

أى: تلك الآيات التي حدثناك فيها عن قصة أولئك القوم وما جرى لهم هي آيات الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، نتلوها عليك يا محمد عن طريق جبريل الأمين تلاوة ملتبسة بالحق الثابت الذي لا يحوم حوله الباطل، وإنك يا محمد لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الذين أرسلهم الله- تعالى- بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.

فالإشارة في قوله تِلْكَ آياتُ اللَّهِ إلى الآيات المتلوة من قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إلى آخر القصة. وقيل إليها وإلى القصة التي قبلها وهي قصة القوم الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ.

وكانت الإشارة للبعيد، لما في ذلك من معنى الاستقصاء للآيات، ولعلو شأنها، وكمال معانيها، والوفاء في مقاصدها.

وأضيفت الآيات إلى الله لأنها جزء من هذا القرآن الذي أنزله- سبحانه- على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم ليكون هداية للناس، وليحملهم على تدبرها والاعتبار بها لأنها من عند الله الذي شرع لهم ما يسعدهم.

وجعل- سبحانه- تلاوة جبريل للقرآن تلاوة له فقال: نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ للإشعار بشرف جبريل، وأنه ما خرج في تلاوته عما أمره الله به، فهو رسوله الأمين إلى رسله المكرمين.

وجملة نَتْلُوها عَلَيْكَ في محل نصب حال من الآيات والعامل فيها معنى الإشارة.

وقوله: بِالْحَقِّ في موضع نصب حال من مفعول نتلوها أى ملتبسة باليقين الذي لا يرتاب فيه عاقل. أو من فاعله أى: نتلوها عليك ملتبسين بالحق والصواب.

وأكد- سبحانه- قوله وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ بحرف «إن» وباللام في «لمن» وبالجملة الاسمية، للرد على من شكك في صدق رسالته صلّى الله عليه وسلّم ولتسليته عما يقوله الجاحدون في شأنه.

وبعد: فهذه قصة الملأ من بنى إسرائيل من بعد موسى، وإن فيها لعبرا متعددة، وعظات متنوعة لقوم يعقلون. من العبر التي تؤخذ منها:

١- أن الشعور بالظلم والهوان، والابتلاء بالمحن والهزائم، والوقوع تحت أيدى المعتدى،

<<  <  ج: ص:  >  >>