وقوعا لا ريب فيه. فالمراد بالدين هنا: الجزاء، كما في قوله- سبحانه- يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ....
ومنه قولهم: «كما تدين تدان» أى: كما تعمل تجازى، ومعنى وقوعه: حصوله.
ثم أقسم- سبحانه- قسما آخر بالسماء ذات الحبك فقال: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ. إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ. يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ.
والحبك: جمع حبيكة، كطريقة، - وزنا ومعنى-، أو جمع حباك- كمثل ومثال-، والحبيكة والحباك. الطريقة في الرمل وما يشبهه. أى: وحق السماء ذات الطرق المتعددة، والتي لا ترونها بأعينكم لبعدها عنكم.
ويرى بعضهم أن معنى ذات الحبك: ذات الخلق الحسن المحكم ... أو ذات الزينة والجمال.
قال القرطبي: وفي الحبك أقوال: الأول: قال: ابن عباس: ذات الخلق الحسن المستوي يقال، حبك فلان الثوب يحبكه- بكسر الباء- إذا أجاد نسجه.
الثاني: ذات الزينة. الثالث: ذات النجوم، الرابع: ذات الطرائق. ولكنها تبعد من العباد فلا يرونها. الخامس: ذات الشدة ... «١» .
وقوله: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ جواب القسم. وقوله: يُؤْفَكُ عَنْهُ ... من الأفك- بفتح الهمزة وسكون الفاء- بمعنى الصرف للشيء عن وجهه الذي يجب أن يكون عليه.
والضمير في «عنه» يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى القرآن الكريم.
فيكون المعنى: وحق السماء ذات الطرق المتعددة، وذات الهيئة البديعة المحكمة الجميلة..
إنكم- أيها المشركون- «لفي قول مختلف» أى: متناقض متخالف، فمنكم من يقول عن القرآن الكريم إنه: أساطير الأولين، ومنكم من يقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه ساحر أو مجنون.
والحق أنه يصرف عن الإيمان بهذا القرآن الكريم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من صرفه الله- تعالى- عنه، بسبب إيثاره الغي على الرشد، والضلالة على الهداية، والكفر على الإيمان.
والتعبير بقوله: مَنْ أُفِكَ للإشعار بأن هذا الشقي الذي آثر الكفر على الإيمان، قد
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٣١.