هذا الحكم هو حكم ربك. وهذا القول الذي بشرناك به هو قوله- سبحانه- وقوله لا مرد له: إنه- تعالى- هو الحكيم في كل أقواله وأفعاله. العليم بأحوال خلقه.
وهنا عرف إبراهيم- عليه السلام- حقيقة ضيوفه: فأخذ يسألهم: قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ والخطب: الأمر الهام، والشأن الخطير، وجمعه خطوب.
أى: قال لهم إبراهيم بعد أن اطمأن إليهم، وعلم أنهم ملائكة. فما شأنكم الخطير الذي من أجله جئتم إلى أيها المرسلون بعد هذه البشارة؟.
قالُوا في الإجابة عليه، إِنَّا أُرْسِلْنا، بأمر ربنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ قوم لوط لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ أى: لنرسل عليهم- بعد قلب قراهم- حجارة من طين متحجر، حالة كون هذه الحجارة مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ أى: معلمة عند الله- تعالى- وفي علمه، وقد أعدها- سبحانه- لرجم هؤلاء الذين أسرفوا في عصيانهم له- تعالى- وأتوا بفاحشة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين.
فقوله: مُسَوَّمَةً حال من الحجارة، والسّومة: العلامة. ومنه قوله- تعالى-:
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ.
والفاء في قوله- تعالى- بعد ذلك: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هي الفصيحة، لأنها قد أفصحت عن كلام محذوف.
والمعنى: ففارق الملائكة إبراهيم ذاهبين إلى قوم لوط لإهلاكهم وجرى بينهم وبين لوط- عليه السلام- ما جرى ثم أخذوا في تنفيذ ما كلفناهم به، فأخرجنا- بفضلنا ورحمتنا- من كان في قرية لوط من المؤمنين دون أن يمسهم عذابنا، فما وجدنا في تلك القرية غير أهل بيت واحد من المسلمين، أما بقية سكان هذه القرية فقد دمرناهم تدميرا.
ووصف- سبحانه- الناجين من العذاب- وهم لوط وأهل بيته إلا امرأته- بصفتى الإيمان والإسلام، على سبيل المدح لهم، أى: أنهم كانوا مصدقين بقلوبهم، ومنقادين لأحكام الله- تعالى- بجوارحهم.
قال ابن كثير: احتج بهاتين الآيتين من ذهب إلى رأى المعتزلة، ممن لا يفرقون بين معنى الإيمان، والإسلام، لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين وهذا الاستدلال ضعيف، لأن هؤلاء كانوا قوما مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم ولا ينعكس، فاتفق الاسمان هنا لخصوصية الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال «١» .
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٩٩.