للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد بالبحر هنا: جنسه. قال ابن عباس: تملأ البحار كلها يوم القيامة بالنار، فيزاد بها في نار جهنم.

وبهذا نرى أن الله- تعالى- قد أقسم بخمسة أشياء من مخلوقاته، للدلالة على وحدانيته، وعلى شمول قدرته، وعلى بديع صنعته.

وجواب هذا القسم قوله- سبحانه-: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ أى: وحق هذه المخلوقات الضخمة البديعة، إن عذاب ربك لواقع وقوعا لا شك فيه على الكافرين يوم القيامة.

وقوله: ما لَهُ مِنْ دافِعٍ خبر ثان لإن في قوله: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ أى: هو واقع دون أن يستطيع أحد أن يدفعه أو يرده.

عن جبير بن مطعم- رضى الله عنه- قال: قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر، فجئت إليه وهو يصلى بأصحابه صلاة المغرب، فسمعته يقرأ وَالطُّورِ إلى إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ، ما لَهُ مِنْ دافِعٍ فكأنما صدع قلبي، فأسلمت خوفا من نزول العذاب وما كنت أظن أن أقوم مقامي ... «١» .

والظرف في قوله: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً متعلق بقوله لَواقِعٌ ومنصوب به، أى: إن هذا العذاب لواقع يوم تضطرب السماء اضطرابا شديدا، وتتحرك بمن فيها تحركا تتداخل معه أجزاؤها.

فالمور. هو الحركة والاضطراب والدوران، والمجيء والذهاب، والتموج والتكفّؤ، يقال:

مار الشيء مورا، إذا تحرك واضطرب.

وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً أى عذاب ربك واقع يوم تضطرب السماء بأهلها وتزول الجبال عن أماكنها، وتتطاير كالسحب، ثم تتفتت كالرمال، ثم تصير كالصوف المنفوش.

قال- تعالى-: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ، صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ «٢» .

وقال- سبحانه-: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ. وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ. وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً «٣» .


(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٢٩.
(٢) سورة النمل الآية ٨٨.
(٣) سورة المعارج الآيات من ٨- ١٠. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>