والظرف «إذ» . في موضع الحال من «سدرة المنتهى» ، لقصد الإشادة بما أحاط بذلك المكان من شرف وبهاء.. أو هو متعلق بقوله: رَآهُ.
أى: ولقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل- عليه السلام- على هيئته التي خلقه الله عليها مرة أخرى، عند ذلك المكان الجليل المسمى بسدرة المنتهى، حالة كون هذا المكان ينزل به ما ينزل، ويغشاه ما يغشاه من الفيوضات الربانية، والأنوار القدسية، والخيرات التي لا يحيط بها الوصف..
فهذا الإبهام في قوله ما يَغْشى المقصود به التهويل والتعظيم والتكثير، لما يغشى هذا المكان من خيرات وبركات ...
وقوله- تعالى- ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى بيان لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من ثبات واطمئنان عند رؤيته لما أذن الله- تعالى- له في رؤيته.
والزيغ: هو الميل عن حدود الاستقامة. والطغيان: تجاوز الحدود المشروعة.
أى: ما مال بصر النبي صلى الله عليه وسلم عما أذن الله- تعالى- له في رؤيته. وما تجاوزه إلى ما لم يؤذن له في رؤيته، بل كان بصره صلى الله عليه وسلم منصبا على ما أبيح له النظر إليه.
فالمقصود من الآية الكريمة، الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم، ووصفه بما هو أهله من أدب وطاعة لخالقه- عز وجل-.
قال ابن كثير: قوله: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى قال ابن عباس: ما ذهب يمينا ولا شمالا، وما جاوز ما أمر به، وهذه صفة عظيمة في الثبات والطاعة. فإنه ما فعل إلا ما أمر به، ولا سأل فوق ما أعطى، وما أحسن قول القائل:
رأى جنة المأوى وما فوقها ولو ... رأى غيره ما قد رآه لتاها «١»
ثم عظم- سبحانه- من شأن ما أراه لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى.
والكلام جواب لقسم محذوف، والآيات جمع آية، والمراد بها العجائب التي أطلع الله- تعالى- عليها نبيه صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة، وهي ليلة الإسراء والمعراج.
والكبرى: صفة لهذه الآيات، وحذف المرئي: لتفخيم أمره وتعظيمه.
أى: والله لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة أمورا عظاما لا يحيط بها الوصف، وقد
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٥٢.