للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليهم، ووصل إلى مسامعهم من ربهم، ما يهديهم إلى الصواب لو كانوا يعقلون.

وأكد- سبحانه- هذه الجملة بلام القسم وقد، لتأكد الخبر، ولزيادة التعجب من أحوالهم التي بلغت الغاية في الغرابة..

والتعبير بقوله: جاءَهُمْ يشعر بأن الحق قد وصل إليهم بدون عناء منهم، ولكنهم مع ذلك رفضوه وأعرضوا عنه.

والتعريف في لفظ «الهدى» يدل على كماله وسموه. أى. ولقد جاءهم من ربهم الهدى الكامل الذي ينتهى بمن يتبعه إلى الفوز والسعادة.

والمراد به: ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن كريم ومن سنة مطهرة..

ثم بين- سبحانه- أن شهوات النفس ومطالبها وأمنياتها لا تتحقق إلا في الإطار الذي يريده الله- تعالى- لها، فقال: أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى. فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى.

والاستفهام هنا- أيضا- للإنكار، ولإبطال اتباعهم للظنون ولما تهواه أنفسهم..

أى: إن هؤلاء قد اتبعوا في ضلالهم وكفرهم الظنون والأوهام، وما تشتهيه قلوبهم من حب للرياسة، ومن تقليد للآباء، ومن تطلع إلى أن هذه الأصنام ستشفع لهم عند الله- تعالى- ...

مع أن وقائع الحياة وشواهدها التي يرونها بأعينهم، تدل دلالة واضحة، على أنه ليس كل ما يتمناه الإنسان يدركه، وليس كل ما يريده يتحقق له ... لأن كل شيء في هذه الحياة مرهون بإرادته ومشيئته- سبحانه- وهو- عز وجل- صاحب الدار الآخرة، وصاحب الدار الأولى وهي دار الدنيا، ولا يقع فيهما إلا ما يريده..

فالمقصود من الآيتين الكريمتين، نفى ما كان يتمناه أولئك المشركون من شفاعة أصنامهم لهم يوم القيامة، كما حكى عنهم- سبحانه- ذلك في قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى.... ونفى ما كانت تتطلع إليه نفوس بعضهم، من نزول القرآن عليه، أو من اختصاصه بالنبوة. فقد حكى- سبحانه- عنهم قولهم:.. لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «١» .

كما أن المقصود بها كذلك، ترويض النفس البشرية على عدم الجري وراء ظنونها وأهوائها، بل عليها أن تتمسك بالحق، وأن تعتصم بطاعة الله- تعالى- وأن تباشر الأسباب التي شرعها- سبحانه-، ثم بعد ذلك تترك النتائج له يسيرها كيف يشاء، فإن له الآخرة والأولى.


(١) سورة الزخرف الآية ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>