للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء.

فأما الدعاء والصدقة، فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما.

وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علم ينتفع به» . فهذه الثلاثة في الحقيقة. هي من سعيه وكده وعمله «١» .

وقال الجمل في حاشيته على الجلالين: واستشكل الحصر في هذه الآية وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى بقوله- تعالى- في آية أخرى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ... وبالأحاديث الواردة في ذلك كحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... » .

وأجيب: بأنها مخصوصة بقوم إبراهيم وموسى، لأنها حكاية لما في صحفهم، وأما هذه الأمة فلها ما سعت هي، وما سعى لها غيرها، لما صح من أن لكل نبي وصالح شفاعة. وهو انتفاع بعمل الغير، ومن تأمل النصوص وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى، فلا يجوز أن تؤول الآية على خلاف الكتاب والسنة واجتماع الأمة، وحينئذ فالظاهر أن الآية عامة، قد خصصت بأمور كثيرة ...

ثم قال الشيخ الجمل- رحمه الله-: وقال الشيخ تقى الدين أبو العباس أحمد بن تيمية:

من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله. فقد خرق الإجماع. وذلك باطل من وجوه كثيرة:

أحدها: أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره. وهو انتفاع بعمل الغير.

ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب ثم لأهل الجنة في دخولها.

ثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر في الخروج من النار، وهذا انتفاع بسعي الغير.

رابعها: أن الملائكة يستغفرون ويدعون لمن في الأرض، وذلك منفعة بعمل الغير.

خامسها: أن الله- تعالى- يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط- أى من المؤمنين- بمحض رحمته، وهذا انتفاع بغير عملهم.


(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>